د.ماجد عزت إسرائيل   

   عندما شعر السريان بالأمان والطمأنية والتشجيع من الأمراء والخلفاء العرب تشجعوا على ترجمة  علوم الطب والفلسفة والرياضيات والفلك والمنطق والكيمياء،وهذه العلوم التي نقلوها من عديد من اللغات المختلفة منها اللغة السريانية واليونانية والفارسية والهندية إلى اللغة العربية. وهنا لابد أن نشير إلى أن السريان نجحوا في ترجمة كل العلوم والمعارف التي سبقت الوجود العربي الإسلامي، ويرجع ذلك إلى أنهم درسوا هذه العلوم اليونانية باللغتين السريانية واليونانية وأسسوا قبيل الإسلام عددًا كبير من المدارس أكثر فيما بين النهرين،أشهرها مدرسة الرها،ومدرسة قنسرين على الفرات ومدرسة نصيبين في الجزيرة كان عدد تلاميذها نحو ما يقرب من(800) طالباً.وهناك مدرسة أخرى هى مدرسة جنديسابور للطب في خوزستان أسسها كسرى أنوشروان(531-579م)،وقد ظلت إلى العصر العباسي واشتهر من أطبائها آل بختيشوع.،وآل حنين بن إسحق وابنه إسحق، وآل ماسويه وسلمويه،وممن درس فيها من العرب الحارث بن كلدة.وقد بلغ عدد الأطباء في مدينة بغداد  نحو ألف طبيباً في حين لم يكن في أوروبا طبيب واحد،بمواصفاتهم.
 
   وقد أنشئت هذه المدارس لدراسة اللاهوت،والفلسفة والطب،وكان علماؤها ينقلون إلى لغتهم السريانية كثيرًا من الكتب اليونانية الشهيرة في الطب والفلسفة وعلم الفلك والمنطق والرياضيات لكبار علماء الإغريق أمثال أرسطو وإبقراط وأفلاطون وفييثاغورس وجالينوس وكان من بين أشهر المترجمين "سرجيس الراسعني" السرياني وقد نقل من السريانية إلى العربية ” كُناش فى الطب ” من تأليف أهرون بن أعين القس ، وقد ترجمه فى خلافة مروان بن الحكم ( ت 65 هـ – 685م ) ،وهو من أطباء العراق، و"عقوب الرهاوي" أيضاً " ابن آثال" الذي قال عنه ابن أبي أصيبعة ” كان من الأطباء المتميزين فى دمشق،نصراني المذهب.
 
وهنا لابد من الإشارة إلى أن السريان أضافوا كثيراً من المعلومات على تلك العلوم المترجمة ،بإلاضافة إلى الشروحات التى وضعوها وتصويب بعض الهفوات والأخطاء فيما درسوه من الكتب اليونانية.في حين أن العرب حينما حاولوا دراسة الفكر اليوناني بمعزل عن السريان،وقعوا في العديد من الأخطاء حيث لم تكن الفلسفة التى نقلوها ولاسيما الإلهية منها يونانية بحتة،فقد التبس على العرب أفلاطون اليوناني شيخ أرسطو،وأفلوطين الإسكندري فنسبوا إلى أحدهما ما كان للثاني. كما أن أكثر الفلسفة التى نقلت للعربية كانت لا تخص أرسطو.
 
بل كانت مختلطة بشروح السكندريين،فنسبت آراءهم إلى أرسطو،لانهم لم يفقهوا الفلسفة جيدًا عملاً بقولهم:"من تفلسف يومًا تزندق دهراً". فانحصرت الفلسفة عند السريان المسيحيين دون غيرهم، الذين شرحوا كتب أرسطو بعد ترجمتها إلى السريانية ثم إلى اللغة العربية.وأضافوا إلى الأفكار اليونانية الأفكار المسيحية ونتج من ذلك دراسة اللاهوت.