د. مينا ملاك عازر
كنا أصحاب وجود طاغي في قمة عدم الانحياز والقمم الإسلامية والعربية والأفريقية كنا أصحاب تواجد لا شك فيه إلا أن تغير تراء على سياساتنا في عهد الرئيس السادات انتقلت هذه القمم من بؤرة الاهتمام الرئاسي لاهتمامات الوزارات، فبقت في اهتمام بطرس غالي ومن شاركوه ولاية وزارة الخارجية كعمرو موسى وغيرهم، لكن ذلك الاهتمام من قبل وزارة الخارجية المصرية لم يشفع لنا لنبقى مسيطرين على تلك القمم، ولنا كلمتنا وتواجدنا حتى أننا نكاد نكون غرباء عنها الآن وعن تركيباتها.
 
أدخلنا السيد عمرو موسى في إقليم البحر متوسطي لنشارك الأوربيين، وهو توجه محمود لم تكن الرئاسة المصرية بحسب قول السيد موسى في مذكراته كتابيه مرحبة بهذا التوجه، وإن كانت فيما بعد عندما رأت ثمار هذا التوجه رحبت بشيء من التحفظ، لكن بقى الوزراء وزراء الخارجية أقصد هم المعنيين بوجودنا الأفريقي وعدم الانحياز.
 
هذا يجعلني أتساءل لماذا نتجه شمالاً، وذلك مع كامل اعترافي بأهمية الشمال وقيمته المهمة في نقل العلم، لكن الجنوب مصدر الثروات والخصوبة رغم فساد بعض قادته بل معظمهم لكنهم طالما ساندونا في قضايانا برغم فساد البعض وديكتاتورية المعظم، بل ربما الكل، السؤال مرة أخرى، لماذا يتفوق الآخرون علينا في اختياراتهم، هذا ما خرجت به من حلقتي مع الدكتور إسحق عزيز حين شرح لي ومشاهدي برنامجي عن التوجه الإيراني للجنوب حيث استمتعوا بمساندة دول أمريكا الجنوبية، ربما الإيرانيين لم يستطيعوا التوجه جنوباً داخل قارتهم لكنهم قفزوا لأمريكا الجنوبية، أما نحن وكان لنا امتداد قوي وتواجد ملحوظ جنوباً حيث قارتنا التي ننتمي لها، ناهيك عن علاقات عميقة مع جنوب العالم الجديد أمريكا اللاتينية، فتخلينا عنهما وتركناهم، وظللنا نلهث وراء الغرب بل قل الشمال نراضيه ونحابيه، ويا ليتنا أخذنا ما فيه من الجيد من احترام حقوق الإنسان والديمقراطية، لكننا أخذنا أسوء ما في الجنوب فساده وديكتاتوريته، ولم نأخذ من الشمال شيء مفيد سوى أكله وأسلوبه في الحياة وبالشكل الذي يناسب بعضنا فصرنا مشوهي الهوية للأسف.
 
المؤسف أن إيران أفلحت واستفادت من جدها وتوجهها نحو الجنوب بمساندة لا يغفلها أحد، أما نحن لا سندنا الشمال ولا أبقينا على قدراتنا وصلاتنا وعلاقاتنا بالجنوب، وأصبحنا تائهين نبحث عما لا نعرفه، ونجد ما لا نريده، ونضيع الذي يكد العالم جاد للوصول له، وذلك لأننا لا نملك استراتيجية ولا خطة جادة متعقلة لتعرفنا أين نذهب ولماذا؟
 
المختصر المفيد استفيدوا من الجنوب بثرواته، والشمال بحرياته وديمقراطيته وشفافيته في محاربة الفساد لنصبح خير أمة.