لا يقلقنى كثيرًا أن يخرج الفنان المقاول المعارض علينا بسلسلة من المقاطع المصورة تحمل ما تحمل من اتهامات وقصص وحكايات. ولا يخيفنى أن يكون الشاب النابه الناشط السياسى المتميز فى مجاله العنكبوتى قد اعتنق البوذية ووصل مرحلة النرفانا، أو اختار أن يكون نشاطًا ومعارضًا عبر البحار بفيديوهات مثيرة أو كلمات ورسائل فريدة. كذلك لم يزعجنى فستان رانيا يوسف الشهير وأسطورة البطانة وجدلية وجودها من عدمه. حتى تغريدات علاء، نجل الرئيس الأسبق مبارك، لا تدهشنى أو تعكنن على حياتى. وأيضًا ملحمة السيدة ريهام سعيد ومسيرتها الإعلامية والفنية وكل محطة أثارت فيها البلبلة أو أفضت حلقاتها إلى أزعرينة لم أخش على مصير الإعلام أو أقلق على كينونة الصحافة.

 
وفى ذروة نشاط الكتائب الإلكترونية وفى قمة أيام الميليشيات العنكبوتية بكل فصائلها وانتماءاتها وتوجهاتها، ورغم تراوح أهدافها وتناقضها، لم أشعر برغبة انتقامية من هؤلاء أو تنتابنى مخاوف وطنية من أجل أولئك.
 
طبيعة العصر الذى نعيشه تؤكد أن جانبًا كبيرًا مما نشهده ونعايشه من فرقعات وأزمات ومآزق ونكبات هى منتجات مشتقة by products من عصر الإنترنت وتقنية المعلومات وإتاحة الشبكة العنكبوتية بأدواتها ومنصاتها وقدراتها للجميع تحت مظلة أو شعار «دمقرطة المعلومات» وإتاحة المعرفة للجميع وإعطاء صوت لكل من لا صوت له. هذه المنتجات المشتقة لن تتوقف عند بابنا لتطرقه وتنتظر إذن الدخول، أو ترسل قبل مجيئها رسالة مسجلة بعلم الوصول تعلمنا فيه بقرب قدومها لنستعد لها. كما أنها لن تسألنا عما إذا كنا مرحبين بها، أو مستاءين منها، أو متريبين فيها.
 
بكل بساطة، هذه المنتجات المشتقة من عصر المعلوماتية وتقنية المعلومات ودمقرطتها تتسرب وتتوغل وتنتشر دون أن انتظار أو دق أبواب أو حتى هندمة وتقليم أظافر. وعلى سيرة تقليم الأظافر، فإن ما نعيشه ويغرق فيه البعض من فيديوهات وتدوينات وتغريدات ومواقع وصور وغيرها غير قابل للتقليم الأحادى، بمعنى أن قرار دولة ما أو حتى مجموعة دول بالسيطرة أو الهمينة أو «تنظيم» هذه المنتجات مسألة مشكوك جدًا فى قدراتها واستمراريتها واستدامتها.
 
وباستثناء تجارب مثل الصين وروسيا، حيث محاولات حثيثة لخلق فضاء عنكبوتى خاص بهما يسهل التحكم فيه والسيطرة عليه ومراقبة حركته، فإن إجراءات الحجب والمنع عادة لا تؤتى ثمارًا. فخرق الحجب سهل، بل أذهب للقول بأن كل محجوب مرغوب. فالحجب يخلق هالة من الإثارة تعطى المحجوب رونقًا ربما يفوق مستوى ما يحويه من معلومات أو صور.
 
ويخيل للبعض أننا فى مصر مستهدفون عنكبوتيًا دون غيرنا والمؤامرات على مواقع التواصل الاجتماعى تحاك ضدنا وحدنا. صحيح أن الجرعة زائدة حبتين، وبالطبع هناك جهات وأفراد توجه جهودها صوبنا، إلا أن قليلاً من الوعى مع بعض الثقافة بالإضافة لمحو الأمية الإعلامية كفيلة بتحقيق قدر من التوازن المنشود.
نقلا عن المصرى اليوم