القس رفعت فكري سعيد
مما لاشك فيه أن عدد المتعصبين فى مجتمعاتنا يزداد كل يوم، والرافضون لكل رأى آخر مغاير لرأيهم يعلو صراخهم بالسب والقذف فى وسائل التواصل الاجتماعى ظنا منهم أنهم بمفردهم حراس المعبد ونواب الله على الأرض.

وبغير جدال فإن التعليم يلعب دورا كبيرا فى تشكيل البنية الذهنية للطالب، ويعتبر التعليم وسيلة أى دولة لمواكبة المتغيرات الحادثة فى العالم، وتلعب العملية التعليمية دوراً كبيراً فى حياة الإنسان، فمن خلالها يتشكل عقله ووجدانه وبنيانه الفكرى والثقافى والعلمى والاجتماعى، ومن هنا فعندما ترسخ المناهج العلمية لثقافة أحادية الحقيقة التى لا بديل عنها، من المحتم أن تُخرج لنا المؤسسات التعليمية جيلاً من المتعصبين الذين يتوهمون أن الحقيقة سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو دينية هى حقيقة واحدة مطلقة، ومن ثم يرفضون مناقشة أى وجهة نظر أخرى مغايرة أو بديلة.

ونظراً لخطورة هذا الموقف، وحتى نُقلل من عدد المتعصبين والأصوليين فى مجتمعاتنا، من المحتم أن تركز المناهج التعليمية على أن الحقيقة ليست مطلقة، وأنه من الطبيعى أن تختلف آراء الناس حسب اختلاف مداركهم ومصالحهم. وكذلك فإنه من الضرورى أن يتسامح الناس عند اختلافهم وأن يتوسطوا فى مواقفهم حتى يتمكن المجتمع من الاستمرار والتقدم عن طريق الحوار وليس الصراع الدموى، لأنه إذا توهم إنسان ما أنه يمتلك الحقيقة المطلقة فمن المحتم أن يعادى من لا يؤمن بهذه الحقيقة، وبعد أن يعاديه يفكر فى كيفية نفيه أو التخلص منه، ومن هذا المنطلق يُعتبر الإرهاب الدموى والمعنوى نتيجة حتمية للتكفير، والتكفير هو نتيجة حتمية لتوهم امتلاك الحقيقة المُطلقة. لقد تفشى فى التعليم افتراضات تقوم على نفى الآخر، كما ظهرت مقولات لأشخاص أموات أضفت على أقوالهم الكتب المدرسية ووسائل الإعلام تقديساً لا مبرر له، وهذه المفاهيم المغلوطة لن تتغير فى ظل اتباع منهج الحفظ والتلقين، ومن هنا لابد من إقامة الندوات والمناظرات التى تُعرض فيها وجهات النظر المختلفة حول القضايا الاجتماعية والمسائل العلمية، وذلك حتى يقر فى الأذهان نمط التفكير الحر، وينشأ جيل جديد يختلف عن الجيل الحالى الذى أفسدت المناهج التعليمية طريقته فى التفكير وحرمته من أن يرى أن الرأى المعارض قد يحتمل الصواب، وأن فى اختلاف الآراء حكمة ورحمة!!

إن نظام التعليم الحالى يتعهد الطالب من الابتدائى وحتى المرحلة الجامعية بإفراز الحقيقة المطلقة، لذلك إذا أردنا خلق مواطن صالح علينا أن نستبعد ثقافة الذاكرة المبنية على الحفظ والتلقين والاستظهار، ونضع بدلاً منها ثقافة الإبداع والابتكار، حيث إن ثقافة الإبداع والابتكار هى ضد توهم امتلاك الحقيقة الوحيدة المطلقة، إن التسامح العقلى بات مطلباً ملحاً اليوم، ولاسيما بعد أن كثرت أبواق التعصب الرافضة للآخر ولاسيما الآخر الدينى المغاير، لا يمكن لمُنصف أن ينكر أن أصوات النعيق والنهيق يرتفع صخبها وضجيجها فى كل يوم داخل مجتمعاتنا العربية، ولا مخرج لنا من هذه الأزمة الفكرية والحضارية، إلا بالتربية على ثقافة التسامح العقلى، فهل يمكن للمؤسسات التعليمية فى بلادنا أن تساهم فى نشر هذه الثقافة؟!
نقلا عن المصرى اليوم