حمدي رزق
تلقيت اتصالًا طيبًا من فضيلة المفتى، الدكتور شوقى إبراهيم علام، يلفتنى إلى فتوى دار الإفتاء المصرية، بتاريخ 5 سبتمبر 2017، والمقيدة برقم 390 لسنة 2017، تعقيبًا على مقالى المعنون: «كَأَنَّمَا عَلَى رُؤوسِهِمُ الطَّيْرُ»، مشيرًا إلى أن الدار لم تتأخر عن الإفتاء فى شأن جواز نقل مقام ومسجد «برهان الدين أبوالإخلاص الزرقانى» تحديدًا، ردًا على طلب فتوى بمدى مشروعية هدم المساجد والزوايا التى تعترض مشروع «محور المحمودية».

وجاءت الفتوى نصًا: من المقرر شرعًا أن هناك فارقًا بين المسجد الموقوف لله تعالى وبين الزاوية والمصلَّى، مع مشروعية الصلاة واشتراط طهارة المكان فى كلٍّ، فالمسجد له أحكامه الخاصة به من عدم جواز تحويله عن المسجدية إلى أى غرض آخر، وغير ذلك من الأحكام، بخلاف الزوايا والمصلَّيات؛ فإنها لا تأخذ أحكام المساجد، حتى لو أُوقِفَتْ للصلاة فيها، كما أن العبرة فى الأحكام بالمسمَّيات لا بالأسماء.

فإذا كان المكان الذى يُصَلَّى فيه زاويةً لم يثبت وقفُها للمسجدية، بل كانت مجرَّد مصلًّى اتخذه أهل البلدة أو بعضهم للصلاة فيه، لا على جهة كونه مسجدًا موقوفًا، أو كان مبنيًّا على أرض مغتصبة ليس لبانيه الحق فيها، فإنه يجوز حينئذ هدمه والانتفاع به فى سائر المنافع المباحة الخاصة أو العامة.

أما إذا كان المكان مسجدًا قد ثبت وقفُه للمسجدية فإنه يَظَلُّ مسجدًا بأرضه وبنائه وهوائه، ولا يرتفع عنه اسم المسجدية لمجرد صِغَر مساحته، أو قلة مُصَلِّيه، أو انعدام خدماته، أو بدائية بنائه، أو تصدعه أو تهالكه، ويحرم هدمه وإزالته إلا للمصلحة العامة للمسلمين، بشرط أن يكون ذلك على جهة التبديل بإيجاد مساوٍ له أو أكبر منه، لا على جهة الإزالة المحضة:

ففى حاشية القليوبى الشافعى، تعليقًا على قول الإمام النووى: «وَلَوْ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ وَتَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ لَمْ يُبَعْ بِحَالٍ»، يقول الشيخ القليوبى: «وَلِلْحَاكِمِ هَدْمُهُ وَنَقْلُ نَقْضِهِ إلَى مَحلٍّ أَمِينٍ، إنْ خِيفَ عَلَى أَخْذِهِ وَلَوْ لَمْ يُهْدَمْ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ بُنِىَ بِهِ مَسْجِدٌ آخَرُ، لا نَحْوُ مَدْرَسَةٍ، وَكَوْنُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْمَسْجِدُ بُنِىَ بِهِ غَيْرُهُ».

وفى فتح القدير للإمام الكمال بن الهُمَام الحنفى، يقول: «وَفِى كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِن الْخُلَاصَةِ: عَنْ الْفَقِيهِ أَبِى جَعْفَرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ شَىْءٌ مِن الطَّرِيقِ مَسْجِدًا، أَوْ يُجْعَلَ شَىْءٌ مِن الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِلْعَامَّةِ، يَعْنِى: إذَا احْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ».

ومادام مشروع تطوير محور ترعة المحمودية يصب فى حماية حياة المواطنين من الخطر وتأمين طرقهم وتلافى الأزمات المرورية وتسيير حركة المارة فهو من المصالح العامة، التى لا تختص بشخص معين ولا بزمن معين، بل ترجع فائدتها على الناس بصفة عامة، وعلى مَن سيأتى فى قابل الأيام، فإنه تجوز شرعًا إزالة المساجد والزوايا التى تحُول دون هذا التطوير، وذلك بشرط إنشاء مساجد أُخَر كبدائل للمساجد الموقوفة التى تحققت وزارة الأوقاف المصرية من صحة وقفها، مساوية لها أو أكبر منها. وأما الزوايا والمصلَّيات، وكذلك المساجد المبنية فى مواضع مغتصبة أو فى مواضع لم تثبت صحة وقفها للمسجدية، فلا يُشترط استبدال غيرها بها لعدم تحقق صحة وقفها، بل يجوز هدمها والانتفاع بأماكنها لتطوير الطرق والمنافع العامة.
نقلا عن المصرى اليوم