وقصة أقدم مذبح أثري في العالم الذي دشنه السيد المسيح بنفسه الذي يقام فيه القداس يوميا وباللغة القبطية

إعداد/ ماجد كامل
لعل من أشهر وأقدس الأماكن الأثرية التي أرتبطت بأسم السيدة العذراء ؛ هو دير السيدة العذراء المحرق ؛ فهو حسب التقليد القبطي المتوارث ؛ هو المحطة الأخيرة في رحلة العائلة المقدسة إلي أرض مصر . وتحتفل الكنيسة بتذكار تكريس كنيسة العذراء الاثرية في يوم 6 هاتور من الشهر القبطي .

أما عن اصل كلمة "محرق " يذكر المتنيح الأنبا غريغوريوس في كتابه العمدة "دير المحرق :- تاريخه – وصفه – كل مشتملاته " أنه توجد أربعة نظريات لتعليل تسمية الدير المحرق :-

1- النظرية الأولي :-
تقول ان الدير كان بعيدا عن الماء ؛ في معظم أيام السنة ؛ذلك أن الحوض القريب منه كانت تنضب مياه الفيضان ؛وتحصل تحاريق فسمي بالحوض المحرق ؛وسميت الارض من حوله بالمحرقة . وسمي الدير تبعا لذلك بالدير المحرق .

2- النظرية الثانية :-
تقول أن الحوض الزراعي الذي أقيم في وسطه الدير كانت تنمو فيه أعشاب الحلفاء ؛ والحشائش الجبلية بغزارة ؛فكانوا يحرقونها بالنار ليتخلصوا منها ؛فسمي الدير بالمحرق لذلك السبب .

3- النظرية الثالثة :-
تقول أن الدير قد أعتدي عليه عرب البدو واللصوص وهدموه وأحرقوه ؛ثم أعيد بناؤه بعد ذلك .

4- النظرية الرابعة :-
تقول أن حربا نشبت بين حاكم مقاطعة الاشمونين وحاكم مقاطعة القوصية ؛أنتصر فيها حاكم الأشمونين ؛فأحرق قسقام فصارت المنطقة كلها تعرف بالدير المحرق علي هذا الأساس . ( لمزيد من التفاصيل :- راجع الكتاب السابق ذكره (الصفحات من 100- 102 ) .

ومن بين المصادر التاريخية التي ذكرت أسم الدير المحرق ؛ نذكر كتاب أبو المكارم عن الكنائس والأديرة في القرن "12 "بالوجه القبلي حيث قال عنها تحت أسم كنيسة العذراء بقوص قام " هي أول كنيسة بنيت في ارض مصر ومنها رد المسيح الي مصر ومنها عاد الي الشام وهذه البيعة تعرف بقوس قام وهذه البيعة لطيفة جدا وكان معهم موسي ابن اخي يوسف النجار وامره سيدنا المسيح ان يجعل حجر تحت رأسه فعملوه وللوقت مات ودفن بها وقبالة باب البيعة بئر ماء معين وفي البيعة حوض حوض يملأ ماء ..... وكان ذلك في سادس شهر هتور ثم بارك سيدنا المسيح في ماء ذلك البئر ( المرحع السابق ذكره :- صفحة 103 ) .

كما كتب عنه العلامة المقريزي تحت أسم "دير المحرق " حيث قال " تزعم النصاري أن المسيح عليه السلام أقام في موضعه ستة أشهر وأياما ؛له عيد عظيم يعرف بعيد الزيتونة ؛وعيد العنصرة ؛يجتمع فيه عالم كبير " . ( عبد المجيد دياب : تاريخ الأقباط المعروف بالقول الإبريزي للعلامة المقريزي ؛ صفحة 165 و166 ) .

كما كتب عنه الرحالة الشهير فانسليب ( 1635- 1679 ) في كتابه الشهير "تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 " حيث قال عنه في برية قسقام ؛دير المحرق الشهير ؛حيث أقام فترة سيدنا مع أمه الكلية القداسة ؛ والقديس يوسف ؛ومريم وسالومي " ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 157 ) .

ولقد كتب العالم الشهير اميلينو( 1850- 1915 ) في كتابه العمدة "جغرافيا مصر في العصر القبطي " تحت اسم قسقام وتحت رقم (464 ) فقال عنه " ورد أسم هذه المدينة في الترجمات العربية للمخطوطات القبطية ؛والقواميس القبطية – العربية التي تعطها أسما بثلاثة أشكال عربية : قسقام ؛قوصقام ؛ قزقام ثم قوصية . أما الترجمة العربية للسنكسار فتذكر : اجتمع المخلص مع تلاميذه بقسقام وهي المحرق .وكان ذلك أول قداس احتفل به هناك ؛بشهادة القديس فيلوثاوس (ثيؤفيلس) والقديس كيرلس (9 هاتور) . وجاء تحت يوم اخر : في هذا اليوم اليوم الاسقف الطاهر والعظيم الانبا ايلياس أسقف المحرق . وهو دير سيدتنا الطاهرة العذراء مريم أم النور وهي مدينة القوصية ( 20 كيهك ) . وفي كتاب شمبيلون : مصر في عهد الفراعنة ؛حدد مدينتين قديمتين مختلفتين وهما قسقام ؛والقوصية . ويضع الاولي في جنوب أسيوط ..... الخ .

وأما كاترمير – من جانبه – باتكاله علي مخطوطة قبطية واحدة ؛بالمكتبة اوطنية ؛فإنه يجعل مدينة واحدة فقط من القوصية وقسقام فيقول أن هذه الكلمة في العربية تترجم قسقام أو القوصية . ..... ودير المحرق هو أكبر الأديرة المصرية ؛وتم بناؤه بالقرب من الجبيل الغربي ؛ الذي حمل أسم المدينة أو القرية القريبة . وبذلك قيل أن قسقام والمحرق يمكن أن يقال عنهما أنهما في نفس المكان . ولقد قام فانسليب بزيارة قسقام لمدة شهر سنة 1664 م . ويشير إلي أن تلك القرية خربة ؛وأنه لم يبق منها سوي دير المحرق ؛ الذي قابل صعابا كثيرة أيضا عبر التاريخ " . ( المرجع السابق ذكره ؛ الصفحات من 296 – 298 ) .

كما كتب عنه أيضا المتنيح الانبا صموئيل أسقف القناطر الخيرية في موسوعته الخالدة " دليل الكنائس والأديرة من الجيزة إلي أسوان " تحت أسم "دير السيدة العذراء المحرق بالقوصية " وتحت رقم (82 ) فقال عنه " من أهم المزارت المسيحية في صعيد مصر حيث تذكر جميع ميامر مجيء السيد المسيح إلي أرض مصر أن العائلة المقدسة شرفت هذا المكان ببقائها فيه أكثر من ستة أشهر واشترك السيد المسيح بنفسه في تدشين المذبح الباقي بنفس شكله حتي الان . ـأما الكنيسة الأثرية بالدير فقد طرأت عليها تغييرات كثيرة في عصور مختلفة والمباني الحالية يرجع معظمها للقرن 13 م وبها بعض الأحجبة المطعمة القديمة وبعض الأيقونات . ويمتاز شكل الكنيسة بوجود حجرتين علي جانبي الهيكل لا يستخدمان كهياكل بل حجرات لوازم الخدمة . أما الحصن القديم الذي يعد من أقدم المباني بالدير بعد الكنيسة فهو يعد من أصغر حصون الأديرة لقرب الدير من العمران ويوجد به كنيسة الملاك وكثير من الأيقونات القديمة . وترجع أسوار مباني الدير لعصر حديث في أوائل القرن 20 . ويقع الدير غرب القوصية ب 10 كم ويوجد طريق آخر من منفلوط ويبعد عنها 23 كم . وقد ذكر الدير أبو المكارم (قرن 12 ) والمقريزي (قرن 15 ) . ( المرجع السابق ذكره ؛صفحة 44 ) .

أيضا من الكتب الهامة التي كتبت عن الدير المحرق كتاب "تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارهما الانسانية عن العالم " حيث كتب عن الدير المحرق فقال عنه " أنه يوجد به ستة كنائس أساسية هي :-

1- كنيسة العذراء :- وتوجد في الجهة الغربية من الدير وهيكلها هو نفس الغرفة التي سكنتها العائلة المقدسة .

2- كنيسة القديس تكلا هيمانوت الحبشي :-وكانت فوق سطح الكنيسة الأثرية وكان الرهبان الاحباش يصلون فيها ؛ ولكنها أزيلت عام 1936 خشية من تأثيرها علي الكنيسة الأثرية .

3- كنيسة يوحنا المعمدان :- وتقع في الجهة البحرية من كنيسة العذراء .

4- كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل :- وتوجد في الطابق الأعلي من الحصن الأثري .

5- كنيسة القديس مارجرجس :- وتقع جنوب الكنيسة الأثرية وقد شيدت عام 1800 م .

6- كنيسة العذراء الجديدة :- ولقد أنشئت خارج أسوار الدير الأثري في عهد رئيس الدير الراحل القمص قزمان بشاي .( لمزيد من التفصيل :- المرجع السابق ذكره ؛ الصفحات 155 ؛156 ) .

ويذكر المتنيح الأنبا غريغوريوس في كتابه عن دير المحرق ؛أنه يوجد نقش أثري مكتوب عليه "لا تنقطع الذييحة من فوق مذبحي " ويروي بعض شيوخ الدير ؛أن ولي عهد أسبانيا وكان يصحبه في نفس الزيارة مرقس باشا سميكة كانا في زيارة الدير المحرق عام 1928 ؛ ولقد قرأوا هذا النقش الأثري العظيم ( صفحة 115 من الكتاب السابق ذكره ) .( أنظر صورة الحجر والنقش في الصور المرفقة بالمقالة وهي من تصوير المهندسة ايرين اشرف لطفي ناشد ومأخوذة من كتاب رحلة العائلة المقدسة للدكتور اسحق عجبان صفحة 284 ) ويوجد أيضا يوجد تقليد متوارث عن الآباء الرهبان أن الصلاة في هذا المذبح بالذات يجب أن تتلي بالكامل باللغة القبطية ؛ـاحتراما لحروم الآباء السابقين الذي منعوا أن يتلي القداس في هذه الكنيسة بغير اللغة القبطية . (نفس المرجع السابق صفحة 116 ) .

أما عن مكتبة الدير ؛ يذكر الانبا غريغوريوس أنه يوجد بمكتبة المخطوطات بالدير حوالي 708 مخطوطا ما بين كتاب مقدس وطقس ومواعظ وتاريخ وميامر ولغة قبطية وعربية وكتب طبية ومتنوعات ...... الخ .

ومن أحدث الكتب التي وقعت تحت يدي عن الدير المحرق ؛ أذكر الكتاب الذي كتبه رهبان الدير المحرق بعنوان " جبل قسقام : قدس – تراث " ولقد صدر عن الدير المحرق خلال عام 1990 .وتتضمن فصول الكتاب ( المقدمة – الرهبنة في المسيحية – تاريخ الدير عبر العصور- الدير والتراث – جولة في رحاب الدير المحرق )

أما آخر ما صدر عن دير المحرق – في حدود معلوماتي - فهو كتاب "الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم " والصادر عن المركز القومي للترجمة . حيث خصص له ستة صفحات بالصور الملونة عن الدير فقال عنه " يعد دير المحرق أقدس مراكز السياحة الدينية المسيحيةالتي زارتها العائلة المقدسة .ويذكر التقليد أن العائلة المقدسة مكثت في هذا المكان في نهاية رحلتها لأكثر من ستة أشهر في منزل قديم مهجور ....... والحقائق التاريخية الخاصة بالدير نادرة وكانت تخص في الأصل أديرة صعيد مصر التي كانت تتبع النظام الباخومي ؛ وأعيد بناؤها وتجديدها عدة مرات . ولقد عاش مجموعة من الرهبان الأحباش ما بين القرنين الثالث عشر والثامن عشر الميلادين ؛في الدير الذي كان بالنسبة لهم بمثابة أحدي محطات توقفهم أثناء رحلتهم من أثيوبيا إلي أورشليم ( لمزيد من التفاصيل وقراءة النص بالكامل :- راجع الكتاب السابق ذكره ؛الصفحات من 252 ؛ 257 ) .

وحول علاقة الاثيوبيين بالدير يذكر الأنبا غريغوريوس أن الملكة منتواب ملكة أثيوبيا حضرت خصيصا لزيارة الدير ؛ ونقلت معها أكياسا مملؤة من تراب الدير ؛ومزجتها بمواد البناء لإقامة كنيسة هناك سميت "كنيسة جبل قسقام " ووضعت جزء من تراب الدير المحرق تحت مذبح الكنيسة؛ كما أمرت الملكة بصوم لمدة 40 يوم يعرف إلي اليوم "بصوم قسقام " يبدأ من 7 أكتوبر الي 17 نوفمبر وهو عيد تدشين الكنيسة الأثرية بدير المحرق (6 هاتور ) ( المرجع السابق ذكره ؛صفحة395 ) .

وللعلم أن الرهبان السبعة الذين خرجوا بالمسيحية في ايرلندا ؛ كانوا أصلا من رهبان دير المحرق ( راجع مقالنا عن الرهبان المصريون السبعة الذين كرزوا بالمسيحة في أيرلندا ؛ جريدة الشروق 15 فبراير 2013


بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1-الأنبا صموئيل :- تاريخ أبو المكارم عن الكنائس والأديرة في القرن 12 بالوجه القبلي ؛ الجزء الثاني ؛ صفحة 103 .

2- عبد المجيد دياب :- تاريخ الأقباط المعروف بالقول الابريزي للعلامة- المقريزي ؛دار الفضيلة ؛1995 ؛ صفحة 165 و166 .

3- جوفني ميكلبيه فانسليب :- تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 ؛ ترجمة وديع عوض ؛تقديم محمد عفيفي : المشروع القومي للترجمة ؛المجلس الأعلي للثقافة ؛ الكتاب رقم 1005 ؛ صفحة 157 .

4- أميلينو :- جغرافية مصر في العصر القبطي ؛ترجمة وتعليق د . ميخائيل مكسي إسكندر ؛الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛2017 ؛ الصفحات من 296- 298 .

5- رؤوف حبيب :- تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارهما الانسانية علي العالم ؛مكتبة المحبة ؛ الصفحات من (153-156 ) .

5- القس صموئيل السرياني ؛مهندس بديع حبيب جورجي :- الدليل الي الكنائس والأديرة القديمة من الجيزة إلي أسوان ؛ قسم العمارة بمعهد الدراسات القبطية .

6- الأنبا غريغوريوس :- الدير المحرق تاريخه ؛وصفه ؛وكل مشتملاته

7- دير السيدة العذراء المحرق :- جبل قسقام قدس – تراث ؛ دير المحرق أسيوط ؛ 1990 .

8- جودت جبرا ؛ جيرتود ج .م .فان لوون :- الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم ؛ ترجمة أمل راغب ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 1844 ؛2016 .

9- إسحق إبراهيم عجبان :- رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر ؛ تقديم قداسة البابا تاوضروس الثاني ؛دار نشر أبناء روسيا ؛ الطبعة الأولي 2017 ؛ الصفحات من 282 – 286 ) .