منى أبوسنة
فى مقال سابق بعنوان «ابن رشد فى رحاب الأزهر»، تعقيبا على حديث د. حسن الشافعى، رئيس مجمع اللغة العربية، المنشور بتاريخ 26/5/2019 فى جريدة الجمهورية توقفت عند قضية المعنى الظاهر والمعنى الباطن فى كتاب «فصل المقال فى ما بين الحكمة والشريعة من اتصال» للفيلسوف ابن رشد، وانتهيت إلى أن أحد أهم أسباب عدم قدرة فلسفة ابن رشد على التأويل فى أحداث تراكم يؤدى إلى تحرير العقل من الدوجماطيقية هو عدم قيامه بطرح حلول لتجاوز التناقض بين التأويل المجازى وقيود اللغة التى ألزم نفسه بها، حيث إن ذلك يستلزم تأسيس نظرية للمعرفة، وذلك كان خارج اهتمام وقدرات ابن رشد، مما أدى إلى تحول المسار إلى نقيض فكر ابن رشد وفلسفته، وأعنى بذلك مسار الفقيه ابن تيمية.

حيث ارتأى ابن تيمية أن للتأويل معنيين: المعنى الأول: الحقيقة الخارجية والأثر الواقعى المحسوس لمدلول الكلمة. وهذا هو المعنى الذى تحدث عنه القرآن، لذلك فالتأويل عند ابن تيمية أن يُفسر القرآن بالقرآن، وإذا تعذر فبالسنة كشارحة للقرآن، أو بأقوال الصحابة، الذين عاصروا نزول القرآن وفهموه من الرسول، ولهذا يرفض ابن تيمية القول بأن التأويل يعنى صرف اللفظ عن ظاهره، لأن هذا الوصف طعن فى وظيفة الرسول، التى هى البلاغ. ويتهم ابن تيمية الذين يدعون إلى هذا القول بالزندقة والكفر والإلحاد. ويرفض ابن تيمية التأويل، وفى سبيل ذلك يدحض حجج المخالفين للقرآن والسنة، وذلك بمقارنه حجج الخصوم بعضها ببعض ليبين تهافتها كلها. ويرى أن تقديم المعقول على الأدلة الشرعية ممتنع ومتناقض. والشرع هو نفسه قول صادق، وهذه صفة لازمة له لا تختلف باختلاف أحوال الناس. والعلم بذلك ممكن ورد الناس إليه ممكن. ولهذا جاء التأويل برد الناس عند التنازع إلى القرآن والسنة.

وختاما أتساءل: بعد تصريح الدكتور حسن الشافعى بأن قضية تجديد الخطاب الدينى تشغل كل المفكرين المسلمين، وفى مقدمتهم فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فهل نطمح بعد ذلك فى أن نجد فكر ابن رشد وفلسفته فى التأويل فى رحاب الأزهر الشريف؟.

هل يسمح فضيلة الإمام شيخ الأزهر بإفساح المجال لابن رشد جنبا إلى جنب مع ابن تيمية؟ ولا أقول أن يجعل أحدهما محل الآخر، حيث إن وجودهما جنبا إلى جنب فى رحاب الأزهر الشريف يسمح للدارسين بالمقارنة بين فكر الفقيه وفكر الفيلسوف فتتحقق رسالة ابن رشد، وهى التواصل بين الفلسفة والدين، أى مشروعية إعمال العقل فى النص الدينى، كما أوضحها فى كتابه الأشهر «فصل المقال فى ما بين الحكمة والشريعة من اتصال». فى هذه الحالة سيسجل التاريخ لفضيلة الإمام أنه أخرج العالم الإسلامى من أزمة سيطرة الفكر الإرهابى الأصولى على العالم، مما قد يهدد مستقبل الحضارة الإنسانية ويدفعها إلى الفناء.