حمدى عبد العزيز 

بمناسبة الحديث عن مؤسسة الرئاسة ودورها المركزي في الحياة السياسية المصرية ..

 
فمع تولي حسني مبارك رئاسة الجمهورية بشهور ، وإفراجه عن معتقلي حملة سبتمبر 1981 ثم إسنتباع ذلك بلقاءته مع رؤساء أحزاب المعارضة وبعض الرموز السياسية التي كانت معارضة لسياسات سلفه السادات ..
 
وقتها نشط علي يد بعض تيارات القوي الوطنية في مصر استخدام مصطلح (مؤسسة الرئاسة) ، وبدأ الحديث عن تمايز (مؤسسة الرئاسة) داخل السلطة الحاكمة ، ووضعيتها المتناقضة مع سياسات الحكومة ، ثم بدأنا من داخل صفوف القوي الوطنية نستمع روايات عن عدم رضا مبارك عن الكثير من الأمور والسياسات التي كنا نعارضها مشفوعة بالحديث عن دراسته في الإتحاد السوفيتي ، ووصل التهافت في تمييز حسني مبارك عن نظام السادات وتبرئته من السير علي سياساته لدرجة الحديث عن منخاره الذي يشبه منخار الزعيم الوطني الراحل جمال عبد الناصر ..
 
ودار صراع شرس داخل اليسار المصري حول "الموقف من مؤسسة الرئاسة" ألقي بظلاله علي الأزمات والشروخ التي بدأت تأخذ منحاها التصاعدي في صفوف اليسار المصري في هذا الوقت ، بل وصل الأمر بأن تحتوي إحدي الدوريات الصادرة من أحد فصائل اليسار المصري عبارات تتحدث عن "إقتراب مبارك من مواقف الطبقة العاملة المصرية"
 
في نفس الوقت الذي ألقي فيه الكاتب الراحل لطفي الخولي بورقته الشهيرة التي شارك حتماً في صياغتها آخرون حول فكرة (الوفاق الوطني) ، والتي كانت بإختصار تسير في نفس اتجاه وطنية مؤسسة الرئاسة وضرورة التفاهم معها وصولاً إلي نوع من (الإصطفاف الوطني) معها ..
 
تواكب ذلك مع بعض التنظيرات التي ظهرت في ذلك الوقت عن طبيعة الطبقة الحاكمة ، ومن ثم طبيعة السلطة ، وتحول النقاش داخل الغرفات المغلقة إلي حوارات تحددت أطرافها ، وتحولت الحوارات إلي صراعات سياسية وفكرية منها ماجري تنظيمه ، ومنها ما فرض نفسه كصراعات خارج الجدران التنظيمية ..
 
وكانت تلك هي بداية ظهور بروز الشروخ داخل اليسار وسائر القوي الوطنية المصرية ، وبداية التصدعات التي أدت إلي حالة جديدة من الإنقسامات والتشرزمات .. تلك التي لازالت تلقي بظلالها علي واقع اليسار حتي الآن ..
 
أما بالنسبة للسلطة السياسية وقتها فلم يكن هناك تغيير حقيقي في مسارات هيمنة التحالف الطبقي المهيمن ، وما كان الأمر إلا حركة إلتفاف حول أزمة النظام التي وصلت إلي ذروتها عشية سبتمبر 1981 ، قبل أن يتم إغتيال الرئيس السادات بعدها بأيام في السادس من أكتوبر 1981 ، وكانت تلك الفترة التي تردد فيها الحديث عن مؤسسة الرئاسة وانعقاد المؤتمر الإقتصادي الذي أكد علي كل ماقدمه اليسار والقوي الوطنية الحليفة له من نقد لسياسات السادات الإقتصادية وآثارها الإجتماعية ..
 
لم تكن تلك الفترة إلا فترة إدارة لأزمة النظام ، واتخاذ مسار إلتفافي للعودة إلي نفس المسار الساداتي ، مسار التبعية الإقتصادية والسياسية للمركز الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، والمزيد من الإندماج الهيكلي الذي فرضته عملية الإنصياع للمؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد - البنك الدولي - منظمة التجارة العالمية) ، والتي عبر عنها بالإلتزام التام بتوصيات صندوق النقد الدولي في مرحلة التسعينيات فيما سمي وقتها بسياسات (الإصلاح الإقتصادي) ..
 
والجدير بالذكر أن قسما من الجماعة الوطنية المصرية ظل يحمل في نقده لتلك السياسات الحكومات المتعاقبة مع تحاشي الإشارة من قريب أو بعيد لرأس النظام الممثلة في مؤسسة الرئاسة حتي عشية الخامس والعشرين من يناير 2011 ، مع أن تلك الحكومات والوزارات المتعاقبة لم تكن إلا مكاتب سكرتارية تنفيذية لدي مركز صناعة القرار التاريخي في مصر منذ بداية الجمهورية ، وهو مؤسسة الرئاسة (رأس الرمح السياسي للتحالف الطبقي المهيمن دائماً) ..
 
وهكذا كان درسنا البالغ القسوة الذي تلقيناه وقتها ، والذي يبدو للآن أننا لم نستوعب دلالاته بعد ، لنواصل الوقوع في أخطاء جديدة تشبه نفس الأخطاء القديمة ..
 
حمدى عبد العزيز
12 أغسطس 2019