Atef Moatamed
يصر بعض كتاب التاريخ المصري المعاصر على إلصاق التهمة بالرئيس الراحل أنور السادات واعتباره مسؤولا عن صعود التيارات الإسلامية المسلحة. حجة هؤلاء أن السادات الذي تولي سدة الرئاسة بعد الموت المفاجئ لعبد الناصر لم يحصل على رضى الشيوعيين والناصريين ممن استخفوا به وقاموا بعقد اتصالات سرية من خلف ظهره مع الاتحاد السوفيتي والوشاية به عند زعماء الحليف الشيوعي الكبير في موسكو.
 
وفقا لهؤلاء الكتاب فإن السادات - رغبة في مواجة شوكة الشيوعيين - أتاح الفرصة لصعود تيار الإسلام السياسي الذي استغل الموقف فأخذ حريته "على الآخر" لدرجة أدت في النهاية إلى قيامه باغتيال السادات نفسه، وهو ما اتاح الفرصة فجأة (أيضا) لتولي نائبه حسني مبارك سدة الحكم.
 
قد يتفق البعض مع هذا السيناريو وقد يختلف آخرون معتبرين أن التيار الديني وحركات الإسلام المسماة بالإسلام السياسي حاضرة قبل ذلك منذ المحاولة الفاشلة للتعاون بين التيارات الدينية والضباط الأحرار للإطاحة بالملك فاروق وإقامة نظام ثنائي بين الجيش وحركات الإسلام السياسي منذ أن تعارف الطرفان في فلسطين خلال محاولة عرقلة قيام دولة إسرائيل في عام ١٩٤٨، وربما كان الرئيس محمد نجيب أحد تجليات هذا التعاون قبل أن تفترق المصالح ويقع العداء بين الطرفين. 
 
سواء صدقنا هذا التفسير بشأن السادات أم لا فإننا لا نستطيع أن نغمض الأعين عن عالمنا الذي نعيش فيه وهو يمور ويفور بمشاهد مروعة من النتائج الكارثية لتقريب طائفة دينية أو عرقية على حساب أخرى أو محاباة فصيل دون الآخر. قليل من الحكومات في العالم الذي نعرفه تستطيع حقا أن تقف على مسافة واحدة من جميع الطوائف والتيارات، وهذه هي الحكومات التي نجت وتعلمت من دروس التاريخ.
 
وسأضرب هنا مثالين:
 
(1) روسيا 
في عام 2016 شاركت بدعوة رسمية من الحكومة الروسية في مؤتمر لافتتاح مركز إسلامي في مدينة "نوڤو سيبيرسيك" (مدينة سييريا الجديدة) كانت الدعوة مدهشة لحضور ذلك الحدث في وسط ما نعرفه في الجغرافيا باسم الصحراء الجليدية في "الربع الخالي" الروسي.
 
ما إن أخذت مكاني بين الضيوف حتى وجدت نفسي بين حاخام يهودي وقسيس من الكنيسة الروسية فضلا عن عشرات من رجال الدين المسلمين الذين غمروا المكان بأزيائهم التي نعرفها من أزياء المسلمين في أفغانستان أو دول وسط آسيا الإسلامية.
 
في أول استراحة وقبل أن ألقي ورقتي (وكانت عن التواصل الحضاري بين العالم الإسلامي وروسيا من خلال رحلة الجغرافي والسياسي أحمد بن فضلان في عام 922 ميلادية) سألت المنظمين عن "صاحبنا اليهودي" فقالوا إنه من أعز الأصدقاء ونحن ضيوف عنده دوما في احتفالاتهم التي تنظمها الدولة للطائفة اليهودية. 
 
لا يتسع المكان هنا للإشارة إلى التاريخ المضطرب لدور الطائفة اليهودية في المجتمع الروسي ويكفي أن أذكر المهتمين بالكتاب الذي ألفته رئيسة وزراء إسرائيل "غولدا مائير" والتي روت لنا فيه قصتها في الطفولة في أوكرانيا التابعة لروسيا القيصرية وكيف عانت هي وأسرتها المجاعة بسبب الاضطهاد والتجويع العمدي الذي مارسه المواطنون في روسيا القيصرية ضد اليهود حتى هلك أغلب أهلها جوعا أو تشريدا ونشأت هي وكل هذه المشاهد المروعة حاضرة في طفولتها قبل ان تصبح تلك المرأة التي ترأست عدوان العصابات اليهودية على أراضينا العربية.
 
(2) الهند 
في عام 2005 سافرت للهند في وقت كان الحزب الحاكم علماني لا يقيم وزنا للأديان. وعلاوة على السفر هنا وهناك حرصت على زيارة بعض رجال الدين الإسلامي والهندوسي لمعرفة الحقائق الجغرافية في إطارها النظري. كان من بين من زرتهم أحد العلماء المشهورين وهو "ظفر الإسلام خان" حفيد أسرة خان الشهيرة في حكم الهند. 
 
دار الحوار في أغلبه عن تمكن الحكومة العلمانية في الهند من الوصول للحكم بفضل مساندة المسلمين الذين منحوا أصواتهم لحكومة لا تضطهدهم ولا تقرب الهندوس المتطرفين على حسابهم.
 
كان الخيار العلماني هو أفضل خيار لمسلمي الهند في تلك الفترة وقد حاولوا المحافظة عليه لكنهم لم ينجحوا وجاءت لاحقا حكومة هندوسية متطرفة وقعت الهند معها في مشكلات طائفية بسبب تقريب طائفة على الأخرى.
 
لم تكن السطور السابقة إلا تحذيرا أضيفه للتحذير الذي كتبته من قبل عن السماح لبعض الفصائل الدينية في مصر للصعود على حساب فصائل أخرى. لابد من مسافة واحدة تجاه الجميع وليس هناك حاجة لتكرار نفس الأخطاء وانتظار نيران أخف ضررا.
 
وإذا كان المترجمون ينقلون مقولة ماركس الشهيرة "التاريخ لا يكرر نفسه، وإن حدث فهو في المرة الأولى مأساة وفي المرة الثانية ملهاة" فإنني معجب بترجمة أخرى متصرفة لكاتب عراقي لا يحضرني اسمه الآن يكتبها دوما على النحو التالي:
 
"التاريخ لا يكرر نفسه مرتين ، وإن حدث فهو في الأولى كارثة ...وفي الثانية مسخرة"