هذا العيد اهتبلنى الأحبة بقطعان من الخراف الإلكترونية، كل رسالة تحمل خروفًا لطيفًا شقيًا، ولكنه لا يعبر عن صاحبه أبدًا، زمان كانت الاتصالات ساخنة، والزيارات المنزلية مُبهِجة وسعيدة، وملابس العيد والعيدية تُفرح الصغار، ولَمّة العائلة تسعد الشيوخ، والمحبة كؤوسًا تدور على الرؤوس، كانت الأعياد بهجة وتوادًّا وتراحمًا من فرط الاشتياق.

سدَنة التواصل الاجتماعى مسخونا نسخة واحدة، نسخة باهتة مكررة، لا تعرف مَن صاحب هذا الخروف الذى ينطق بالمعايدة، ولمَن هذه الأغنية الماسخة، ومَن أرسل هذا الحكى المُنمَّق المُعبَّق بالحِكَم والمواعظ تلوكها الحسابات الباردة، والحوائط المصمتة، والتغريدات المكرورة، وتغريد وتتويت وفسفسة وتشيير مقيت، وهَلُمَّ جرا.

برودة الرسائل النصية أفقدت الأعياد الحميمية، حروف مثلجة، وصور روتينية مكرورة، لا تشف عن عواطف ولا تنم عن اشتياق، تأدية واجب ثقيل، ومجاملة لا تشى بما فى الصدور من محبة وافتقاد، لا تُقرب المسافات، ولا تختصر البعاد، روتينية جمّدت التواصل الإنسانى فى فريجيدير ثلجى عميق، أفقدته المعنى الكامن فى اللقاء المباشر الدافئ فى المناسبات السعيدة.

لافت تفشِّى طقس الرسائل الثلجية حتى بين الأشقاء، مؤلم أن يمر العيد على الأم برسالة نصية من ابن مشغول إلكترونيًا حتى عن مكالمة أو خطوة يغبر بها قدميه إلى قلب أمه مرضاة لوجه الله، العقوق الإلكترونى صار واقعًا، محزن أن تستبدل العواطف الجيّاشة بصور ورسوم وكلمات باردة من قاموس إلكترونى بارد.

الحوائط الفيسبوكية ارتفعت عاليًا لتحجب وراءها القلوب الطيبة، والأرواح المرحة، والنفوس التى تهوى فى اشتياق، كلٌّ مصلوب على حائطه، مُتوحِّد مع موبايله، لا حوارات ولا مناغشات، حوارات مصنوعة فى أقبية مسحورة، سحرت الجميع، فباتوا مضروبين بـ«الفيس»، وضلالات وهلاوس إلكترونية سمعية وبصرية، ومقتطفات وقصص ومرويات وحكايات عبثية منثورة للإلهاء.

حالة اختطاف مجتمعى، اختطاف مجتمع بأسره، الابن من أمه، والأخ من أخيه، والأب من العائلة، والأم من مملكتها المنزلية، حالة اختطاف جماعى، صرنا أسرى هذا الجهاز السحرى العجيب، عبيد لـ«اللايك» والتعليق، وعبثيات الشجب والرفض، والتأييد العنيد، لم يتبقَّ من البشر سوى كلمات وحروف باردة، اختصرت عواطف البشر فى تتويتة وتغريدة وفسفسة فى الوجوه.

لم ينجح جهاز فى تفكيك المجتمعات سوى هذا الجهاز السحرى الذى سحر الناس جميعًا، ينفقون على هذا السحر الأسود إنفاق مَن لا يخشى الفقر، إنفاق المصريين على الرسائل والصور يجاوز الإنفاق على التدخين، كله فى الهواء، دخان فى الهواء، وكلام فى الهواء، ما يمكث فى الأرض هو ما ينفع الناس، أفتقد «كل سنة وانت طيب» من أفواه طيبة، خلاص تعبت من ثغاء الخراف!.
نقلا عن المصري اليوم