كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
 
إنه ذلك الكافر و الزنديق و الملحد .. هو الخارج عن الصف والطاعة والقانون والإسلام .. أليس هو المحرض على الخلاعة والإباحة والفسق والفجور ؟ .. تلك الصفات غيض من فيض من التي أطلقها أشاوس الجهل والنفاق وأهل التدين القشري في أزمنة العتمة على الفارس العظيم " طه حسين " .. عادت عليه  بخسائر هائلة و على تدافع وتدفق حركة  عطاء ذلك التنويري الفذ وامتدت سهامها السلبية إلى بيته وتفاصيل حياته ومرتبه وعمله الحكومي والأكاديمي وعلاقاته بالوسط الأدبي  والصحفي !!
لقد تعرض أثناء سني عمله للكثير من القرارات الظالمة.. النقل  خارج الكادر الجامعي .. الفصل من الخدمة نهائيًا ذات مرة .. هل لنا أن نتخيل الكيد للرجل ومدي حنقهم منه إلى حد صدور قرار الفصل من مجلس الوزراء مجتمعًا عام 1934 .. سنوات كثيرة مرت وصاحب " دعاء الكروان " قد  قضاها موضوعا في القائمة السوداء المنبوذة من جانب كل الجهات الكبرى والسيادية والحكومية  !!
 
يحدث ذلك مع أعظم وزير تعليم ... صاحب مقولة " التعليم كالماء والهواء " .. الذي حرر مقالًا في   " مجلة مدارس الأحد " القبطية مقدرًا لدور الكنيسة المصرية  الوطني ومناشًدا قياداتها الاهتمام بتطوير التعليم الديني ..  وفى زياراته للمدارس بالأقاليم المختلفة كان الأثرياء يتسابقوا لدعوته إلي بيوتهم، فطلب من سكرتيره قبول كل الدعوات على أن تكون الدعوة إلى الشاى بألف جنيه.. وإلى الغداء أو العشاء بخمسة آلاف جنيه.. توضع كلها فى حساب مبانى المدارس فى المحافظات المختلفة ..
وبمناسبة تطوير التعليم في اتجاه تصويب الخطاب الديني ، أود عرض نموذج هام لمنهج تعليمي أعتقد من المفيد الاطلاع على بعض سطور منه لإشاراته التربوية الرائعة تجاه بعض العادات والتقاليد الخاطئة التي باتت كمسلمات ومنهجيات تعامل ثابتة للأسف  ..
 
على الغلاف الخارجي  كتب التالي  : 
مقرر " القرآن الكريم والتهذيب والدين "..للمدارس الابتدائية  ( وفقًا لمنهج عام 1930 ) للسنة الرابعة الابتدائية ...تأليف عبد العليم حسين .. المدرس بمدرسة مصر الجديدة الابتدائية للبنين ..
وهو ما يشير إلى منح المدرسين فرصة إعداد المناهج الدراسية وفق آليات ترشحهم لجدارة العمل ومسئوليته وكانت تلك الآلية  فيما أرى داعمة لفكرة الاستعانة بأهل المهنة والكار وهم على دراية بالأهداف التربوية و التعليمية المرجوة ..
 
حول موضوع بعنوان  " زيارة الأولياء " .. يذكر الكتاب :
إن كان الغرض من زيارتها العظة والاعتبار ، كما في زيارة قبور الموتى فلا بأس ، وأما إن كان الغرض منها التوسل بالعظام التي فيها إلى قضاء الحاجة ، أو تفريج كرب ، أو شفاء مرض ، أو كسب قضية ، فذلك زيغ عن الدين وكفر بالله ... فكل الرجال والنساء الذين تراهم يتزاحمون على ضريح " السيدة زينب " وضريح " الحسين " وضريح " السيد البدوي " وغيرهم من عباد الله الصالحين ، يقبلون الأعتاب ، ويلثمون على الأضرحة من الحديد والنحاس ، ويكتحلون بترابها ، وينذرون لهم النذر ، إنما يدعون غير الله ، ولا فرق بينهم وبين عُباد الأصنام ، فزر أيها التلميذ الأضرحة كما تزور قبور أمواتك للعظة والاعتبار وإياك أن تدعو وليًا من الأولياء لينجحك في الامتحان ، أو ليفرج عنك كُربة ، لأنك تدعو غير مجيب ، وتشرك مع عظامًا نخرة ، ومخلوقًا قد تكون عند الله أفضل منه ، وأدع الله فإنه قريب يجيب دعوة الداعي ويُفرج كُربة الملهوف ، وهو الذي يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، بيده الملك وهو على كل شيء قدير ...
 
وتحت عنوان " الموالد "  .. يذكر الكتاب :
من أشد العادات المستقبحة إضرارًا بالأخلاق والصحة والصحة العامة ، وقد وجدت في العصور المتأخرة من الإسلام ، وحض عليها خدمة الأضرحة ومشايخها ، لأنها تدر عليهم الخيرات ، وتملأ صناديق النذور ، فيسلبون نقود الفقراء والجُهال ، ويختلسون أرزاق العامة ، فإياك أيها الولد النجيب أن تضع قرشًا في صندوق من صناديق هذه الأضرحة ، لأنك تُحسن على غير مُستحق ، وتتصدق على موظفين وأثرياء ، فإن أردت الإحسان فابعث بما تجود به نفسك إلى الجمعيات ..
 
وهكذا يتم تدريس التربية الدينية .. يتلاحظ التناول الجرئ والاقتحام الطيب لمناطق نظنها حتى الآن شائكة فيما يمكن أن يكون محرجًا بالنسبة للقائمين على أمور دور العبادة ، والتي أراها صالحة لو تم تطبيقها في مناهج التربية الدينية المسيحية أيضًا .... وأراه متواكبًا و مناسبًا لخطط تطوير التعليم على الطريقة الشوقية نسبة لاسم وزير التربية والتعليم .. فالمطلوب الوصول إلى الرسائل التربوية والروحية في المعاملات عبر تطبيقات على هذا المنوال لاكساب فلذات أكبادنا المفاهيم الطيبة حول أن الأديان جاءت للتنوير والتطوير والترقية وإشاعة المفاهيم العلمية والموضوعية دون تقديس ما يراه البعض من المقدسات دون تبرير .. 
 
وهل ننسى تلك التظاهرات الغاضبة من بعض رموز الكنيسة المصرية ورفضهم لفيلم " بجب السيما " ، فكانت صدمتهم لأحداث فيلم بطولته لطفل نرى الأحداث بعيونه بجرأة وصراحة محرضة على إعادة النظر في في وسائلنا التربوية داخل الأسرة المصرية .. وصار على المتفرج النظر بعيون الطفل " نعيم " وتحمل مشقة  " اللعب مع العيال " مثلما تحمله المؤلف والمخرج وفريق عمل الفيلم .. وبناء عليه اندفعنا مع " نعيم " إلى الأطباء ومعامل التحاليل لنطمئن على صحته ، كما ذهبنا معه إلى دورة مياه مدرسة أمه لنشاهد موقفه الرجولي مع الفتاة الصغيرة التي صحبته إلى هناك لتعرض عليه ملابسها الداخلية فيتهمها بقلة الأدب تمامًا كما حدث مع فريق الصبية الذين كانوا يلعبون ب" الكوتشينة " المطبوع عليها صور عارية .. وهكذا راح الفيلم يحرضنا ما استطاع مؤلفه " هاني فوزي " أن يجمعه من ذكريات كل الطفولات المجرمة مضافًا إليها تجليات خياله الخصب ليتم في النهاية صناعة جو عام من السخط موجه إلى كل ناصح وإلى كل سلطة وإلى كل نظام (وبالمناسبة لم يعي من تظاهروا أن أحداث الفيلم كانت تقع في الستينات ) وما أدراكم ما الستينات وفق الرؤية الإخوانية.. لم يتخيل رجال الدين مشاهد الطفل وهو يناجي الله قائلًا " هو يا جنة يا نار " في محاولة لإيجاد مخرج يمنحه حق التمتع بالفرجة السينمائية والتليفزيونية دون أن يغضبه !!