محفوظ ناثان - يكتب
سيظل الصراع العربي الإسرائيلي يحتل جزءًا كبيرًا من هموم المواطن العربي، ويشغل حيزًا ليس بالقليل من مساحة تفكيره، لذا جاء فيلم "الممر" ليعطي ممرًا للأمل واشعال الروح الوطنية لدى جموع الشعب العربي التي باتت ضعيفة واهنة بسبب ما يعانيه من ضغوط سياسية واقتصادية وتحديات داخلية وخارجية.


فيلم "الممر" فيلم درامي حربي من إنتاج 2019، ومدته 129 دقيقة، وتأليف وإخراج "شريف عرفة"، وسيناريو "أمير طعيمة"، وإنتاج "هشام عبد الخالق"، ويضم كوكبة من كبار الممثلين مثل أحمد عز، وهند صبري، وإياد نصار، وأحمد رزق، وأحمد فلوكس، وأسماء أبو اليزيد، ومحمد فراج، ومحمد الشرنوبي، وغيرهم الكثيرين. الفيلم للجمهور العام، ليس فيه مشاهد خارجة عن الآداب العامة.


تدور أحداث الفيلم ما بين القاهرة والسويس وأسوان وجنوب سيناء. يحكي قصة لعملية تفجير وتدمير أكبر معسكر إسرائيلي في سيناء بواسطة قوات الصاعقة المصرية في الفترة الزمنية من بعد هزيمة 1967 وحتى حرب الاستنزاف 1970.


تتجلى عناصر البناء الدرامي بوضوح في فيلم الممر، فشخصية الضابط المصري "نور" الذي يقوم بدوره "أحمد عز" لديها هدف واضح وصراع منذ بداية الفيلم، فهو يريد أن يكسر حالة الهزيمة التي مني بها الجيش المصري في حرب 1967، ويطوق للقيام بعملية بطولية ترفع من الروح المعنوية لدى الشعب وعناصر الجيش على حد سواء. يلتقي هذا الصراع بعدد من الشخصيات مثل شخصية "هلال" الذي يقوم بدوره "محمد فراج"، وشخصية "إحسان" الذي يقوم بدوره "أحمد رزق" مع شخصية "أحمد" الذي يقوم بدوره "محمد الشرنوبي".


الشخصيات مرسومة بشكل جيد بحيث لا تجد فرقًا كبيرًا بين الشخصيات الرئيسية والثانوية، ونتفهم هنا الأساس الذي تم اختيار الشخصيات عليه شخصيات قوية البنية وجبارة، فقد تم تدريبها جيدًا في مركز الصاعقة بإنشاص لتعكس حالة أفراد الصاعقة المصرية. شخصية "نور" شخصية قوية جبارة تريد أن تكسر حالة الهزيمة، كما أن شخصية زوجته التي تقوم بدورها "هند صبري" دائمًا ما تعطي الأمل والرجاء في الانتصار. وهناك شخصية "إحسان" قدمت الكوميدية بشكل لطيف، لا يشعرك بالملل ويضفي على العمل جمالًا ورونقًا، كما أن شخصية "هلال" تقدم لنا الصعيدي الشهم الذي يواجه عدوه مهما كلف الأمر. واستطاع الكاتب أن يقوم لنا الشخصية السيناوية بشكل مختلف، شخصية تعشق تراب الوطن وتواجه الموت من أجله. ولا يمكن أن نغفل عن شخصية الضابط الإسرائيلي التي قدمها "إياد نصار" بشكل مغاير عن الأعمال التي ألفناها، وأعتقد أن أصول نصار الأردنية – الفلسطينية ساعدته كثيرًأ أن يؤدي الدور ببراعة.


بالنسبة لرسالة الفيلم فهي واضحة، وتسلط الضوء على مهما كانت هناك هزيمة فلابد أن يكون هناك أمل، ورغم الانكسار والفشل فبعدها الانتصار. بالرغم أن بعض المشاهد قد لجأ الكاتب فيها الكاتب إلى الحوار المباشر وكأنك في درس للتربية الوطنية ولم يلجأ إلى عنصر الإخفاء الذي هو من فنيات العمل الدرامي، إلا أنك تجد عملية الترميز بين مشاهد الحب بين الرجل والمرأة لها إسقاطات واضحة على المواطن والوطن، وقد تمت بطريقة اخترافية ومبدعة.


من جانب آخر نرى أحجام اللقطات متنوعة، فقد حقق مدير التصوير "أيمن  أبو المكارم" العمق في المشاهد حتى في أضيق المساحات. لقد استخدم أحجام كادرات مختلفة تراوحت بين اللقطات البعيدة جدًا سExtreme long shot خاصة في مواقع المعارك الحربية، ولقطات طويلة Long shots، ومتوسطة Medium shots، وقريبة Close shots. التصوير به واقعية شديدة وجهد مبذول خاصة في المشاهد المصورة في عرض الصحراء، كما راعى الفترة الزمنية الافتراضية التي جرت فيها أحداث الفيلم، والانتقال بين المشاهد كان جيدًا.


كانت حركة الممثلين في المشاهد بوجه عام جيدة تتسق وحركة الكاميرا والديكور والإضاءة، وقد استخدم مدير التصوير الإضاءة ببراعة لإظهار الأبعاد الخفية في الشخصيات، فكانت هناك الإضاءة الجانبية Slide light لإظهار حالة الحزن، واستخدم الإضاءة الأمامية Front light لإظهار حالة البهجة عند الانتصار. أما بالنسبة للديكور فإن مهندس الديكور "باسل حسام" قد استخدم أكثر من 1500 لقطة جرافيكس، وهو ما يساوي 90 دقيقة من عمر الفيلم ورغم ذلك نجد فيه واقعية شديدة. بالنسبة للملابس والإكسسوارات والشوارع والأماكن فإنها تعكس حالة الحقبة الزمنية للفيلم.


بخصوص الإيقاع فإن هناك توازن بين المشاهد الطويلة والقصيرة، والداخلية والخارجية، والليلية والنهارية، فطول المشاهد متسق إلى حد ما. نرى مشاهد كوميدية وهذا ما يعرف باسم Comic relief خاصة المشاهد التي يقوم بها أحمد رزق. وهناك مشاهد تحول Twist، فهذا "إحسان" يتحول من شخص مستهتر إلى شخص غيور على الوطن يريد الدفاع عنه خاصة بعد حاجز السيارة. نرى أيضًا عنصور المفاجأة Surprise في الفيلم. كما أبدع المونتير في الاتساق بين المشاهد والفلاشات والإفيهات، واستخدم المونتاج المتوازن.


بالنسبة للموسيقى التصويرية فإن مديرها عمر خيرت نوعَّ بين الموسيقى الشرقية والإسرائيلية التي تميل إلى الطابع الغربي، كما نوعَّ بين موسيقى الحزن والفرح. استعمل الكمان والفلوت والتشيلو، والترامبت كان ضروريًا للأغراض العسكرية. خدمت الموسيقى التصويرية المشاهد، وكانت مصاحبة للحالة ولم نرى فيها نشاذًا. أما بالنسبة للحوار فكان متقنًا ومتنوعًا بين اللغة العربية بلهجات مختلفة قاهرية وسيناوية وصعيدية ونوبية وفلسطينية، واللغة العبرية رغم أنها قليلة لكنها خدمت الدور بشكل جيد. 


فيلم "الممر" استخدم الأسلوب الدرامي الكوميدي الحربي. فيلم متماسك جيد في كتابة السيناريو وتتابع الأحداث. التصوير والانتقال بين المشاهد جعلانا نعيش الفترة الزمنية وكأنها الآن. الفيلم عميق ويسلط الضوء على البطولات المصرية، لكنه قدم الشخصية القبطية المتمثلة في العسكري "جورج" بشكل خجول لا ترتقي لدور الأقباط الوطني. لم يعجبني نقل قوات الصاعقة بالهليكوبتر إلى سيناء. كما لم يعجبني أيضًا الجملة التي قالها الحاخام اليهودي على لسان الضابط الإسرائيلي "إللي يفرط في جزء من أرضه بيكون كافر"، فمصطلح الكفر غير وارد في المفرادات اليهودية. أعجبني تسليط الضوء على المهمَّشين (أهل الصعيد، والنوبة، والسيناوية). أعجبني فكرة المراسل الحربي رغم المعاملة السيئة له من قبل العسكريين.