المقال الخامس والاخير:

سليمان شفيق
كان جمال عبد الناصر قد انتخب رئيسا للجمهورية عبر استفتاء شعبى و هو إجراء جديد فى مصر عام 1956, و رغم اعتراض المجلس الملى على لائحة انتخاب البطريرك إلا أن المجلس فوجئ بصدور قرار جمهورى بلائحة جديدة تضمنت كل مطالب رجال الدين و حددت آخر موعد للترشيح 25يناير 1958, و من المدهش ان اللائحة التي لازالت سارية حتى الآن تضمنت إلا يقل سن المرشح عن أربعين عاما. و هذا هو الشرط الذي ابعد كوكبة من الرهبان الشبان منهم انطونيوس السريانى (الانبا شنودة فيما بعد), كما اشترطت اللائحة 15 عاماً حياة ديرية و هو الشرط الذى ابعد به البابا شنودة فيما بعد القمص متى المسكين و لكن عبد الناصر الذى انتخب رئيسا للدولة وهو فى سن 36 عاما رفض اعتراضات المجلس الملى و استبعد المرشحون الجدد و تبقى 5 فقط انتخب منهم البابا كيرلس السادس. واستمر الصراع بين البابا كيرلس السادس و المجلس الملى و إزاء ذلك توجه البابا كيرلس السادس إلى جمال عبد الناصر و عرض عليه الموضوع، فأمر عبد الناصر بصرف تبرع من الدولة الى الكنيسة 10 الاف جنيه مع حل المجلس الملى و تشكيل لجنة برئاسة الانبا كيرلس فى 1967و و استمر المجلس محلولا الى ان اعاده البابا شنودة الثالث بعد تنصيبه بطريركا فى 1971.

• انتخاب البابا شنودة و الصراع المتجدد:
وجه الانبا غريغوريوس اسقف الخدمات و البحث العلمى كتبا بعنوان:”ايضاح و بيان للمبادىء العامة الأساسية فى موضوع انتخاب البطريركية او كتاب مفتوح للمجلس الملى بالاسكندرية بتاريخ 1\3\1971 يقول فيه (انى ارى ان اللائحة الحالية للانتخاب البطريرك لائحة خاطئة من ألفها إلى يائها, خاطئة أصلا و فرعا, و أكد احكم بأننى أجد من العار على كنيستنا معلمة المسكونة ان تكون لها فى النصف الثانى من القرن العشرين لائحة كهذه جانبت الصواب من كل جهة, و تحت مسئوليتى اقرر أن هذه اللائحة ليست انجيلية لأنها تعارض الكتاب المقدس نصا و روحا, و ليست كنسية لانها تعارض القانون الكنسى نصا و روحا)

و تصف ايريس حبيب المصرى فى كتاب تاريخ الكنيسة القرعة الهيكلية ص217: (بأنها مبدأ يهودى لم يستخدم إلا حينما أراد التلاميذ الاثنى عشر اختيار بديل للخائن يهوذا الاسخريوطى).

نعود لكتاب الأنبا غريغوريوس مرة أخرى ان اللائحة الاستثنائية و التى أقرت بأن يكون البطريرك من الرهبان لن تراعى ان مجموعة البطاركة الذين اعتلوا الكرسى البابوى و عددهم 116 (قبل البابا شنودة) كانوا موزعين كالتالي :

أولا: من رؤساء و أساتذة و علماء مدرسة الإسكندرية خمسة بطاركة, و كان هذا هو عصر العلم الذي كان يلزم عرفيا ان يكون البطريرك من العلماء بمدرسة الاسكندرية.

ثانيا: من سكرتيرى و تلاميذ الباباوات السابقين, و عددهم 7 و هى مرحلة انتقالية بين المسيحية العلمية و النسكية

ثالثا: من الكهنة المتبتلين-من المتزوجين ولكنهم ليسوا رهبانا و يعملون وسط الناس –علمانيين) و عددهم 22 بطريرك.

رابعا: من الشمامسة (من غير الرهبان) 4 بطاركة.

خامسا: عصر الرهبان: 73 بطريركا جاء ذلك بعد الحركة العلمية و حرق مدرسة الإسكندرية.

سادسا: من العلمانيين المتزوجين واحد و هو البطريرك انيانوس الثانى.

سابعا: من البطاركة العلمانيين المترملين( الذين توفت زوجاتهم) واحد و هو البابا يوحنا السادس (البابا ال47)

ثامنا:من العلمانيين-غير الرهبان و المتبتلين 4 بطاركة.

تاسعا: من المطارنة و الأساقفة: 5 باباوات

عاشرا: من أساقفة غير المتزوجين-المتبتلين(من من لم يكونوا قبل من الرهبان اثنين من البطاركة الحادي عشر من المتبتلين (لكن من غير المعروف يقينا ما إذا كانوا كهنة أو شمامسة أو علمانيين) 4 بطاركة.

و مما سبق ان الاختيار القسرى للبطريرك عبر القرعة الهيكلية المختلف عليها لم تنشا الا ابان المرحلة الناصرية 1959 و حتى اختيار البابا كيرلس السادس و الانبا شنودة الثالث, لأنه من غير المعقول أن يأتى عبد الناصر من غير استفتاء شعبى فى حين يأتي البطاركة بالانتخاب الحر المباشر.
و هكذا جرى انتخاب البابا شنودة الثالث يوم الجمعة 29 أكتوبر 1971 بالقرعة الهيكلية رغم انه حصل على المركز الثاني للانتخاب434 صوتا فى حين حصل المتنيح الأنبا صموئيل على المركز الأول 440 .و المتنيح القمص تيموثاوس المكارى ب 312 صوتا و اجريت القرعة الهيكلية فى31 أكتوبر 1971.

ومن الملاحظ أن لائحة 1957 تقر بأحقية المطارنة في الترشح، ولكن القائمقام الأنبا أسانثيوس مطران بني سويف والذي شغل هذا المنصب منذ وفاة الأنبا يوساب الثاني 13 نوفمبر 1956 وحتى انتخاب الأنبا كيرلس السادس وإجراء القرعة الهيكلية 17 مارس 1959 قرر عدم قبول أوراق المطارنة للترشيح ووافق على ذلك حينذاك المجمع المقدس، كذلك فعل نفس الأمر القائمقام الأنبا أنطونيوس بعد رحيل الأنبا كيرلس السادس في 9 مارس 1971 وحتى الاختيار الإلهي بالقرعة الهيكلية للأنبا شنودة الثالث في 31 أكتوبر 1971.

كما يلاحظ أن أطول فترة شهدت الكنيسة فيها فراغاً بابوياً وهي ثلاث سنوات منذ وفاة يوساب الثاني وحتى تنصيب كيرلس السادس، وأقل فترة وهي سبعة شهور كانت منذ وفاة الأنبا كيرلس السادس وحتى تنصيب البابا شنودة الثالث.

ولا أجد ما أختم به سوى جزء من حوار مع الراحل الأنبا شنودة الثالث نشر للباحث في كتاب “الأقباط بين الحرمان الوطني والكنسي”، يقول قداسة الأنبا شنودة للباحث: “كان المرشحون خمسة، وكان الرئيس السادات قد أخبر المجمع المقدس أنه يفضل السرعة والهدوء، ومن يختارونه سوف يوافق عليه، وأجريت الانتخابات فيما بيننا- وكنت الأول في الترتيب- والثاني هو الأنبا صموائيل والثالث هو القمص تيموثاوس المقاري، وكان الأنبا أنطونيوس هو القائمقام البطريركي، وقد رأى أن تستمر الانتخابات المجمعية حتى يكون هناك مرشح واحد، ولكني اصريت على هذا الأمر برغم أن ترتيبي في تصويت المجمع المقدس كان الأول، وقلت للجميع أن هذا الأسلوب يتناقض مع قوانين الكنيسة التي تقول بأنه من حق الشعب أن يختار راعيه،- ويتساءل الأنبا شنودة-: “فهل نستطيع أن نغفل الشعب؟”.

ويضيف قداسة البابا شنودة: سألني الأنبا أنطونيوس: وهل يرضيك أن تنزل إلى انتخابات ومهاترات وتجريح حتى إذا “نجح” أحدنا بطريركاً وصل إلى الكرسي البابوي مجرحاً؟ فقلت له: “وأيضاً فإن انتخابي في غرفة مغلقة سيكون سبباً للتجريح، وتقرر عرض الأمر على مجموعة من الشعب وهي لجنة إدارة أحوال البطريركية، والتي حلت محل المجلس الملي الذي أغلقت أبوابه 1967، وهيئة الأوقاف القبطية، وانتهى الرأي في هذا الاجتماع المشترك بتطبيق لائحة 1957 كما هي”.

انتهى كلام قداسة البابا شنودة الثالث، والذي يؤكد على شيئين أساسيين وهما احترام قداسته للديموقراطية الكنسية من جهة، ولحق الشعب في انتخاب البطريرك من جهة أخرى.

من التاريخ للحاضر الآتى:
ترى هل هناك دروس مستفادة وأوجه شبه بين الماضى والحاضر؟.. هل يلقى البابا تواضروس الثانى مصير البابا كيرلس الرابع ابو الاصلاح ؟ او مصير كيرلس الخامس لوطنيته؟ أو يتكرر معه ما حدث مع مكاريوس الثالث لانحيازه للعلمانيين؟ أو أن التاريخ لا يعيد نفسه كما قال كارل ما ركس ،إلا مرتين «مرة فى شكل مأساة وأخرى فى شكل مهزلة»، حفظ الله الوطن والكنيسة .