فى مثل هذا اليوم 3اغسطس 1967م..

سامح جميل 

عبدالناصر ينتقد الحزب الواحد ويطالب بمعارضة..
دعا جمال عبدالناصر إلى جلسة عمل، دعا إليها زكريا محيى الدين وأنور السادات وعلى صبرى والدكتور عزيز صدقى وحسين الشافعى.
 
كانت الجلسة فى مثل هذا اليوم «3 أغسطس 1967»، أى بعد نكسة 5 يونيو 1967 بأقل من شهرين، وجاءت فى سياق البحث عن أسباب النكسة، وكيفية الخروج منها، وافتتحها بنقطتين مذهلتين على حد وصف الدكتور غالى شكرى فى كتابه «الثورة المضادة فى مصر» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»، ويذكر شكرى جانبا من هذا الاجتماع استنادا على ما نشر على حلقات فى مجلة «الدستور» الأسبوعية، الصادرة فى لندن بتاريخ «9 و16 أكتوبر 1978» بعنوان «أوراق عبدالناصر السرية»، ويضعه فى سياق أن «الشعب المصرى لم يكن يدرى وربما إلى الآن، أن عبدالناصر كان يناضل نضالا مريرا داخل الدائرة الضيقة لقيادة الحكم من أجل الديمقراطية» ويضيف: «لقد فرضت الجماهير بيان 30 مارس 1968، ولكنه بقى حبرا على ورق لسبب نفهمه الآن أكثر من أى وقت مضى وهو أن عبدالناصر لم يكن يحكم وحده فى أى وقت، وأن غالبية زملائه الذين تبقوا كانوا ضد الديمقراطية».
 
وعن وقائع الجلسة المثيرة التى عقدت يوم 3 أغسطس 1967، افتتح عبدالناصر الكلام بنقطتين، الأولى: «علينا الآن بعد الهزيمة، واجبان: الأول: أن نبحث عن نظام جديد لنا، والثانى أن نحدد الأخطاء الرئيسية، أى أن نعمل فورا على تغيير النظام اللى ماشيين عليه لأن لازم فيه خطأ، إذا كنا عايزين حقا توفير الأمن والسلام نسمح بوجود معارضة فى البلد، معارضة حقيقية لا تمثيلية معارضة، أنا ضد نظام الحزب الواحد لأن الحزب الواحد يؤدى إلى ديكتاتورية مجموعة معينة من الأفراد، إننا إن لم نغير نظامنا الحالى سنمشى فى طريق مجهول ولن نعلم من سيتسلم البلد من بعدنا، وسيؤدى بنا ذلك إلى مستقبل مظلم».
 
بدا «عبدالناصر» من هذا الطرح أنه يقوم بعملية نقد ذاتى صريحة ودون مواربة، يثور فيها على نظام الحزب الواحد وكان ممثلا وقتئذ فى «الاتحاد الاشتراكى» الذى فتح أبواب دخوله فى يناير 1963، وبلغ عدد الذين قيدوا أسماءهم ما يقرب من 5 ملايين مواطن فى عشرين يوما حسب قول أمين إسكندر فى كتابه «التنظيم السرى لجمال عبدالناصر - طليعة الاشتراكيين» عن «دار المحروسة - القاهرة»، ويرصد «إسكندر» الجوانب السلبية التى ظهرت مبكراً فى التجربة، مشيراً إلى «دخول عناصر كثيرة غير مؤمنة بأهداف الثورة أو باحثة عن دور ما ونفوذ ووجاهة اجتماعية لن تجدها إلا عبر الدخول فى تنظيم السلطة»، ويؤكد «إسكندر» أن القيادة السياسية شعرت بتلك المشاكل مما دفعها إلى القول فى اجتماع للأمانة العامة يوم 8 ديسمبر 1966: «لقد كنا دائما نعرف الأشخاص غير الصالحين، أما الأشخاص غير الصالحين فليس من السهل التعرف عليهم» والمشكلة أن العناصر المضادة موجودة داخل الاتحاد الاشتراكى، وهى عناصر حركية، ونحن ينقصنا داخل الاتحاد الاشتراكى وجود العناصر الحركية».
 
تقودنا هذه الخلفية بسلبياتها التى يرصدها «إسكندر» استنادا إلى رأى «عبدالناصر» نفسه إلى فهم عملية النقد الشديدة للنظام السياسى الذى يفتقد إلى المعارضة، ويشير غالى شكرى إلى أن عبدالناصر طرح رأيه فى غرفة مغلقة، قبل ستة شهور من المظاهرات التى اندلعت احتجاجا على الأحكام الصادرة بحق قادة الطيران الذين تسبب إهمالهم فى نكسة 5 يونيو.
 
فى اليوم التالى من الجلسة وحسب «شكرى» فوجئ عبدالناصر بالجميع وبغير استثناء من مواقع فكرية مختلفة يعارضون معارضة وحاسمة وشاملة ونهائية، حيث قال زكريا محيى الدين: «الحزب الآخر سيقوم بنبش الماضى»، وقال السادات: «لا أوافق على الحزبين» وقال صدقى سليمان رئيس الوزراء: «أى شخص يقبل أن يكون الآن رئيسا لحزب المعارضة يكون رجلا مجنونا»، وقال على صبرى: «أخشى من تكوين حزب آخر».
 
يعيد «شكرى» تأكيده على أن وقائع هذه الجلسة تدل قطعا على أن «الشعب لم يكن يدرى أن عبدالناصر كان يناضل نضالاً مريراً داخل الدائرة الضيقة لقيادة الحكم من أجل الديمقراطية»...!!