مي عزام
(1)
كم مرة عبرت حياتك سحابة معتمة؟ وشعرت أنك على حافة الهاوية، وتخيلت قدميك تنزلقان دون إرادة منك إلى هوة سحيقة حيث لا أمل لك فى النجاة، وأن الدنيا ضاقت حتى تحولت لحبل غليظ يلتف حول عنقك ويخنق أنفاسك. حين تمر بهذه الحالة عليك أن تدرك أنك لست وحدك، فهناك الملايين حول العالم يشاركونك اللحظة ذاتها، لكن الإنسان كائن متفرد عن سائر الكائنات، لذا نجد رد فعله تجاه الألم النفسى يختلف من شخص لآخر، فهناك من ينعزل ويدخل دائرة الاكتئاب، وهناك من يطلب الدعم أو يحاول الخروج من هذه الدائرة معتمدا على إرادته، وهناك من يتقرب إلى الله طلبا للفرج ومن يكفر برحمة السماء. حالة واحدة مشتركة ومئات من ردود الأفعال المختلفة. هكذا هو الإنسان وهكذا هى الحياة.. يوم حلو ويوم مر.

(2)
منذ سنوات، دخلت هذه المرحلة البائسة، شاهدت ذاتى ترحل عنى وتتركنى وحيدة أشعر بالغربة والفقدان، وكأننى طفلة صغيرة ضاعت من أمها وسط الزحام، ووقفت على جانب الطريق تبكى حالها. فى تلك الأزمات يتجمد تفكيرك ويتخلى عنك حسن إدراكك للأمور، فتتصور أن ما تمر به أبدى وليس مجرد سحابة سوداء عابرة، ويتعلق بك اليأس كبقعة نفط لزجة تلتصق بقدمك على الرمال، وتتخيل أن عمرك عبء ثقيل وتصبح عدو نفسك. فى هذا التوقيت شاهدت بالصدفة فيلما قديما للممثلة الأمريكية ساندرا بولوك بعنوان: مزامير الأمل، لم يكن فيلما عظيما، لكن حينها كان يحمل رسالة مست أعماقى، وهى أن الإنسان يمكنه دوما أن يبدأ من جديد، مهما كانت كبوته مؤلمة، بقليل من العزم والدعم يمكنه النهوض، فهناك دائما فرصة ثانية متاحة لمن يدركها ويغتنمها، وقد تكون أفضل من كل ما ودعته فى حياتك السابقة وندمت على خسارته.

(3)
لماذا أتحدث اليوم عن مزامير الأمل، وهناك أحداث مهمة تستحق الكتابة عنها فى الداخل والخارج، أفعل ذلك لأن ليس هناك فى هذه الحياة الدنيا من هو أهم منك لك، وأنا أعتقد أن هناك شعورا عاما بغياب الأمل وبأننا عالقون فى لحظة ستدوم إلى الأبد.

(4)
كان طبيعيا، وهذا تفكيرى، أن يلفت انتباهى حوار لأحد خبراء علم النفس، تحدث فيه عن الحالة النفسية للمصريين وفسر نماذج سلوكية لا تتسم بالأخلاق نلاحظها، وعبر عن ذلك أن مجتمعنا يعانى «هشاشة أخلاقية»، وأعتقد أنه كان من واجب الخبير النفسى ألا يذكر الأمر كملاحظة عابرة يشاركه فيها العامة على المقاهى، ولكن أن يعرض دراسة علمية تشخص هذه الحالة وأسبابها وتصف العلاج.

(5)
فى الحديث نفسه، أشار الخبير النفسى إلى أن للصحة النفسية مظاهر أربعة: القدرة على الصمود أمام كروب وضغوط الحياة، تواكب قدراتك مع طموحاتك، تحمل مسؤولية العمل الذى تقوم به وتحبه، الشعور بأنك مواطن لك احترامك فى وطنك الذى تعيش فيه، وأضاف أن 30% من سلامة الصحة النفسية تعتمد على مدى شعور الإنسان بالحرية والديمقراطية. وأنا أعتقد أن مظاهر الصحة النفسية التى ذكرها هذا الخبير غير متحققة لغالبية الناس حاليا، ومن الممكن أن تكون الهشاشة الأخلاقية وردود الفعل المتطرفة والعنيفة عند الناس بسبب نقص الصحة النفسية مثلما يحدث للجسد فى حال نقص الغذاء.

(6)
فى الحقيقة، الأمر لا يحتاج لخبير نفسى لمعرفة أننا نعيش فترة صعبة نتعرض فيها لضغوط نفسية بسبب ضغوط الحياة اليومية والاستقطاب المجتمعى. أخطر ما فى الأمر مشاعر اليأس والعجز والقهر. لست خبيرة نفسية لأصف علاجا فعالا، ولذا قدمت تجربتى الشخصية. الأمر يحتاج فى البدء إلى وعى بأن ما نمر به عابر وأن نبحث عن الدعم والمساندة ومخالطة أشخاص صادقين وإيجابيين حتى لا نزيد الأمر ثقلًا على أنفسنا، وأن يكون لدينا إرادة المقاومة وأمل فى بكرة ويقين برحمة الله وعدله، وأن هناك فرصة ثانية أفضل تنتظرنا بإذن الله.
نقلا عن المصرى اليوم