كتبت – أماني موسى
قال السفير البابوي المطران برونو موزارو، في حفل وداع مطران اللاتين، الذي وافته المنية فجأة، لقد اجتمعنا بهذا العدد الوفير في هذه الكنيسة الكاتدرائية للاحتفال، على ضوء قيامة سيّدنا يسوع المسيح، بعبور أخينا في الأسقفيّة المطران عادل زكي النّائب الرسولي بالإسكندرية من هذا العالم إلى حضن الآب بعد أن أمضى السنوات العشر الأخيرة من عمره في خدمتها.

وأضاف، يحثّنا القديس بولس الرّسول ، في نصّ الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس الذي سمعناه في القراءة الأولى، على تقوية الإيمان بانتصارنا على الموت لأننا ، في المعمودية ، أصبحنا جسدًا واحدًا مع يسوع المسيح، ابن الله الذي صار جسدًا لكي يحررنا من الموت الناجم عن الخطيئة:
ومتَى لَبِسَ هذا الكائِنُ الفاسِدُ ما لَيسَ بِفاسِد، ولَبِسَ الخُلودَ هذا الكائِنُ الفاني، حينَئذٍ يَتِمُّ قَولُ الكِتاب

قدِ ابتَلَعَ النَّصْرُ المَوت فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟
إِنَّ شَوكَةَ المَوتِ هيَ الخَطيئَة، وقُوَّةَ الخَطيئةِ هيَ الشَّريعة.فالشُّكرُ للهِ الَّذي آتانا النَّصْرَ عَن يَدِ رَبِّنا يسوعَ المسيح!» (١ كور ١٥: ٥٤-٥٧(
هذا هو إيماننا، إخوتي وأخواتي ! هذا هو إيمان الكنيسة! إنه الإيمان الذي انتصر على عالم الخطيئة والموت! )أنظر ١ يوحنا ٥: ٤(
كان هذا هو الإيمان الذي قاد المطران عادل ودعمه خلال حياته ؛ إذ دعَّمه كمسيحي ثم راهبٍ فرنسيسكانيٍّ فكاهن ثم أسقف.

لقد لاحظت أنّه كان يتحلّىِ بإيمان صلب كالجرانيت تمكنت من الإعجاب به - لدرجة أنّه أثار مشاعري - في آخر محادثة أخوية دارت بيننا يوم السبت السّادس من شهر يوليو، في تلك المناسبة، كرر لي ما سبق أن قاله لي في أوقات أخرى: «الخدمة بأمانة حتى النهاية ؛ فالجندي لا يهرب ، وإلا فهو يعتبر خائنا؛ يموت في ساحة المعركة.» كان هذا بالفعل هو الحال بالنسبة للمطران عادل زكي.

وتابع، ألتقيت به للمرة الأولى في مطلع شهر مايو ٢٠١٥ بعد يومين فقط من وصولي إلى مصر، كسفيرٍ بابويٍّ. وقد وجدت على المكتب دعوته لكي أشارك في اللقاء الّذي يتم فيه تبادل التّهاني الفصحيّة علي مستوى الرّهبانيّات الرّجاليّة والنّسائيّة في القاهرة.

وكان لقاءً لن يُمْحَى من ذاكرتي أبدً ؛ لقد شعر كلانا فورًا بألفة متبادلة. ثم تتالت العديد من اللقاءات الأخرى: احتفالات ليتورجية. اجتماعات مجلس الأساقفة الكاثوليك في مصر، ؛ لقاءات متنوّعة حول الحياة المكرسة ؛ زياراته لي في سفارة الفاتيكان وزياراتي له في مقر النّيابة الرّسوليّة.

كيف أتذكر عزيزنا المطران عادل زكي؟ كان دائمًا هادئًا وابتسامته مرتسمة على شفتيه، كان راعيًا مليئًا بالغيرة من أجل الرب ومن أجل الشعب الذي عُهِدَ إليه ، كان مخلصًا للغاية للإنجيل ولتعليم الكنيسة؛ ذو ذاكرة متيقّظة حتّى الأخير في عرضه لي تاريخ النيابة الرسولية في مصر في ماضيها وواقعها الحالي.

لم يفقد أعصابه أبدًا عندما كنت مضطرًّا أحيانًا إلى إبلاغه عن بعض الصعوبات على المستوى الرعوي، التي وصلت إلى علمي؛ وكان يوضح لي المسـألة بكل تفاصيلها، وبلا تردّد. وكان يؤكّد لي أنه سيبذل ما في وسعه لإيجاد الحل.

كان راعيًا على مثال يسوع الراعي الصالح، الذي قُدم لنا من خلال فصل من إنجيل القديس يوحنا، الّذي أعْلِنَ في هذا احتفالنا الطّقسي بجنازِه. كان راعيًا حتى النهاية، على الرغم من المرض الأخير الّذي قد اضعف من قواه البدنيّة. كان يريد أن يكون حاضرًا دائمًا، حتى لو بصعوبة في الحركة ، حتِّى لا يخلّ عن القيام بواجبه الرّعوي.

وقد لاحظنا ذلك مرّة أخرى في عيد سيّدة الكرمل، في السادس عشر من شهر يوليو الجاري حيث ترأس الاحتفال الإفخارستي، للمرّة الأخيرة، في كنيسة بازيليك القديس تيريزا للطفل يسوع لآباء الكرمل في شبرا ، بمناسبة زيارة صاحب النيافة المونسنيور خوسيه رودريغيز كاربالو (الفرنسيسكاني مثله) ، أمين مجمع معاهد الحياة المكرّسة مؤسسات الحياة الرسولية.

وقد لاحظنا جميعًا أنّ وجهه كان شاحبًا. وكنت قلقًا عليه. لكنني لم أكن أتوقع مثل هذه النهاية المفاجئة. لقد رحل عنّا كمَن يمشي على أطراف أصابع قدميه، دون أن يزعج أحدًا.

والآن، يتمتع أخونا المطران عادل بالنور والسلام والفرح بلا نهاية لبلوغه فرحة اللقاء مع الرّب القائم. أمّا نحن، فلا يبقى لنا سوى أن نشكر الله على أنّه وهبه لخدمة الكنيسة في مصر.

وها هو يصلّى من السماء يصلي من أجل مطرانيّته، ومن أجلنا جميعًا ؛ هو يعزّينا، ويشجعنا لمواصلة مسيرتنا على الأرض مرددين كلمات المزمور الثالث والعشرين، الذي يرنمّه الآن مطراننا عادل زكي في وطنه السّماوي: اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. (مزمور ٢٣)