حمدى عبد العزيز
أثناء قراءاتي للحظة التاريخية التي أسفرت عن ظهور ما أطلق عليها وقتها ب"الصحوة الإسلامية" ، وهو الأسم الظاهري لإعادة إحياء حركات وتيارات فاشية التأسلم السياسي في مصر والتي قادها كلاً من الرئيس المصري الأسبق (السادات) ورجل المخابرات الأمريكية في المملكة العربية السعودية (كمال أدهم) في بدايات سبعينيات القرن الماضي ..

وجدت شهادة لأحد أبطال هذه العملية وهو الدكتور محمود جامع الذي كان أحد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين ، وكان في نفس الوقت صديقا مقرباً للرئيس السادات ، والذي كلفه هو والمهندس عثمان أحمد عثمان بالتوجه إلي المملكة السعودية لمقابلة قيادات هذه التيارات والحركات هناك والإتفاق علي عودتها إلي مصر لمساعدته في مواجهة خطر الشيوعيون والناصريون ..

وبالإضافة للرواية التي ذكرها محمود جامع في كتابه (عرفت السادات) هناك روايات أخري سعودية ومصرية تؤكد علي نفس هذه الوقائع ، بما لها من دلالة توضح إلي حد كبير وحاسم طبيعة التوجهات الطبقية لهذه التيارات والحركات ..

المصادر السعودية تحتوي علي مفاجئة ربما لايعرفها الكثيرون وهي أن الملياردير طلعت مصطفي مؤسس إمبراطورية طلعت مصطفي كان ضمن كوادر هذه الجماعات الهاربة إلي الخارج ، والتي أسقط عنها عبد الناصر الجنسية المصرية ..

وطلعت مصطفي هو والد المالتي ملياردير هشام طلعت مصطفي الرئيس التنفيذي لمجموعة (طلعت مصطفي) ، وصاحب شركة مقاولات (مدينتي) ، وقاتل المطربة اللبنانية سوزان تميم والتي كانت تربطه بها علاقة حميمة وصدر ضده حكم إعدام نهائي في الخامس والعشرين من يونيو 2009 ، ثم خفف الحكم بعد إعادة المحاكمة في 28 سبتمبر 2010 إلي خمسة عشر عاماً مع الأشغال الشاقة ..

وهو نفسه الذي أصدر له الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عفواً رئاسياً في يونيو 2017 ..

الوقائع التي وردت في كل من كتابات الدكتور محمود جامع صاحب (عرفت السادات) ، والمصادر السعودية تدور كلها حول إجتماع عقد في أوائل السبعينيات في المملكة السعودية بمعرفة كل من محمود جامع ، وعثمان أحمد عثمان ، المكلفين من قبل السادات بمهمة التفاوض مع هذه الجماعات ، وكان السادات قد مهد لهذا الإجتماع بإصدار قرار بالإفراج عن أثنين من أهم قيادات جماعة الإخوان المسلمين هما المستشار صالح أبورقيق ، والمستشار عبد القادر حلمي ..

ليتم هذا الإجتماع الذي حضره من كوادر الإخوان الهاربين والمسقط عنهم الجنسية بقرار من عبد الناصر كل من :
- الشيخ يوسف القرضاوي
ـ الدكتور احمد العسال
ـ الدكتور سالم نجم
ـ رجل الأعمال طلعت مصطفي (مؤسس إمبراطورية طلعت مصطفى)

ـ رجل الأعمال عبد العظيم اللقمة
ـ رجل الأعمال فوزي الفتي

ونتج عن هذا الإجتماع إتفاق علي إعادة الجنسية المصرية لهؤلاء ورفاقهم في المملكة السعودية وعودتهم إلي مصر ، وتعهد من السادات بالإفراج لاحقًا عن كل قيادات وكوادر ، وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين ، وإعادتها إلي الحياة السياسية (وهو ماتم تنفيذه بالفعل بعد حرب أكتوبر 1973 عبر السماح بإصدار مجلة الدعوة ، والترخيص للجماعة كجمعية خيرية دينية) ..

وهذا الإتفاق قد رعاه ملك المملكة السعودية الملك فيصل وقتها ، وقدم بمناسبة ذلك دعماً مالياً بلغ 100 مليون دولار للأزهر علي أن يخصص منه مبلغ 40 مليون دولار تحت مسمي (محاربة الشيوعية والإلحاد ) ..

الثلاث دلالات الأهم من هذه الروايات هي :
الأولي / مدي إرتباط هذه الجماعات طبقياً بمصالح الطبقة الرأسمالية الكمبرادورية الطفيلية المصرية ..

والثانية/ هي إرتباط إطلاق عملية ماأطلق عليه ب(الصحوة الإسلامية) دائماً بتحولات إقليمية كبري في الشرق الأوسط لإعادة ترتيبه وفقاً لمصالح المراكز الإستعمارية ، كملف إستعماري قديم ورثته الولايات المتحدة الأمريكية - ضمن ماورثت - عن الإمبراطورية البريطانية الإستعمارية ، وتواكب مع إعداد المسرح لتحولات السادات نحو الإندماج الهيكلي بالسياسات الأمريكية ، وإعداد المسرح لنصب كمين مايسمي بالجهاد الإسلامي في مواجهة الإتحاد السوفيتي ، وهو ماوصلت ذروته إلي فتح الجبهة الأفغانية كساحة لذلك الجهاد الإسلامي المزعوم ، الذي ظهر فيمابعد للجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية ، وبتوظيف حلفائها بالشرق الأوسط قد أقامت أكبر مضخة لإنتاج الإرهاب والفاشية الدينية في العالم ..

والثالثة / هي أن الأزهر كان شريكاً أصيلاً في هذه العملية ، وأنه كان آداة في يد السادات والمملكة السعودية لوضع الإمكانات التي وفرتها الحقبة النفطية السعودية في خدمة إعادة تأسيس ودعم هذه الجماعات الفاشية ، وهو الدور الذي وصل إلي ذروته عندما كان الأزهر شريكاً في الدعوة إلي الجهاد في أفغانستان ..

وهو كان طوال الوقت حاضراً وفاعلاً رئيسياً في كل دورات المجلس الإسلامي العالمي التي انعقدت لإدارة التطوع والدعم المالي وتوجيه الفتاوي الداعمة لما سمي بالجهاد الإسلامي ، وأشهر هذه المشاركات كانت مشاركته في الدورة التي انعقدت في إسلام آباد في أوائل الثمانينيات والتي أصدرت وثيقة (دستور الدولة الإسلامية) الذي اتخذته فاشية التأسلم السياسي في مصر برنامجاً لها في انتخابات 1984 تحت عنوان مضلل هو (الإسلام هو الحل) ..

ــــــــــــــــــــــــ
20 يوليو 2019

**********
المصادر :
ـ الدكتور محمود جامع ..(عرفت السادات )
ـ محمد عبد الغفار (الوفد 21 مارس 2012 )
ـ عبدالله بن بجاد العتيبي (الإخوان والسعودية .. القصة الكاملة)
ـ الشرق الأوسط .. 6 إبريل 2014
نقلا عن الفيسبوك