دولا أندراوس تكتب: إرتزاقيون يا عزيزي
ظل الأقباط لعقود طويلة عنصراً أساسياً في معركة النضال من أجل الاستقلال السياسي والسيادة الشعبية للدولة المصرية.

وبرغم السياسات التي أتبعها الحكام المصريون الذين تعاقبوا على حكم مصر في الحقبة التاريخية الحديثة والتي أدت إلى زحف وتعزيز الاسلام السياسي في المجال العام، وبرغم كل ما عاناه الأقباط من تمييز واضطهاد وأعمال عنف طائفية على يد الاسلاميين بتغافل تام من قبل الدولة وتراخي متعمد في تفعيل القانون، إلا أنهم ظلوا محافظين على قوميتهم وإنتمائهم الوطني وظلت مصريتهم الخالصة في موضع تقديس عجز الظلم والقهر والقمع عن أن ينالوا منه.

هذا النزوع الوطني بالأضافة إلى تعاليم الديانة المسيحية التي تحض على محبة الآخر وٳنكار الذات ومسالمة الجميع ساهم إلى حد كبير في ضمان الاستقرار الداخلي للبلاد. وبعكس المصري المسلم الذي يرى في الاسلام وطناً ويتبناه كقومية حتى أنه يعتبر أن المسلم الباكستاني أو التركي أو الأندونيسي أو الأفغاني أقرب إليه من المسيحي المصري، يظل القبطي المصري مرتبطاً إرتباطاً وثيقاً بمفهوم الكنيسة الوطنية وتظل مصر لديه جزءً لا يتجزأ من عقيدته يحملها في قلبه حيثما ذهب حتى وإن حدث وهاجر وعاش مغترباً بعيداً عنها بآلاف الأميال. بعض هؤلاء الأقباط عندما تطأ أقدامهم أرض الحرية يشعرون بمسؤولية تجاه اخوتهم في مصر ويأخذون على عاتقهم دوراً كاشفاً للمظالم التي يتعرضون لها.. لا رغبة في الصراع مع الدولة أو الكنيسة ولكن رغبة في مساعدة هؤلاء المغلوبين على أمرهم على إسترجاع حقوقهم المسلوبة.

هذا الدور هم -في حقيقة الأمر- في غنى عنه، فلديهم من المسؤوليات ما يشغلهم ومن التحقق ما يغنيهم، لكنهم يضحون بالكثير من الوقت والجهد والمال والراحة النفسية لإيمانهم الراسخ بحق الأقباط -كأقلية- في الحياة وفي الحرية وفي التمتع بحقوق مواطنة غير منقوصة وفي الحماية من الاعتداءات ومن تنمر الأغلبية. أما الارتزاقيون فحماسهم ليس أصيلا وهدفهم ليس نبيلا وغايتهم هي التعيش وطلب الرزق وليست نصرة المظلوم أو تحقق العدالة. وبحسب التعريفات المعجمية الارتزاقيون هم “الذين يحاربون في الجيش على سبيل الارتزاق، والغالب أَن يكونوا من الغرباء”. نعم هم غرباء.. غرباء عن القضية وغرباء عن الإنسانية وغرباء عن الشرف يعملون فقط من أجل الكسب والتربح. يرتدون قناع اللطف والكياسة عند اللزوم لكنهم متذاكين مدعين مشحونين بنفس المزاج المحتقن ضد الأقلية ومشبعين بنفس الأفكار العنصرية الاستعلائية التي لا تلبث أن تجد لها متنفسا بمجرد تعرضها إلى ضغط فيظهر إلى السطح كل ما كان مخبئا تحته.

الحقيقة أنه ليس لهؤلاء الارتزاقيون مكانا بيننا فقد احترق كارت دغدغة المشاعر الدينية الذي يلعبون به ويساهمون به في تعميق الفجوة الطائفية وفي محاولة إحداث وقيعة من الداخل. نصيحة لهؤلاء إن الضجة المفتعلة قد تجلب الشهرة أحيانا لكن اعتماد هذه الاستراتيجية ليس بالأمر الجيد دائما فكثيرا ما تفضي الشهرة السلبية إلى سمعة سيئة.