مفيد فوزي
■ أكتب فى ظل نظام سياسى قوى، لا يشكو من هشاشة العظام ولا أسنانه فى طور التكوين. أكتب وضميرى يسكن قلمى.. فلا أخاف ولا أهاب إلا الله. لم أمتط حصان جرأة يقفز فوق كل الحواجز بل أطل قلمى من قلب «مواطنة» تتيح لى أن أعبر عن نفسى دون أن أتجمل أو أهين كلمتى على الملأ. أكتب كمصرى يشتبك مع الأحداث وينفعل بما يجرى ويقول ما يعتقد برشد زودتنى به الأيام. أكتب مباشرة دون رمزية أتكئ عليها أو محسنات بديعية أستعين بها لإضفاء البراءة على سطورى!

■ بعد هزيمة المنتخب أشعر بالإحباط والضجر، والضجر فى معجم المعانى الجامع هو الضيق والملل والسأم. باختصار الضجر هو غضب مذيل بالسأم. وأظن أن حق الضجر مكفول لمواطن بين أصابعه قلم. وما أقسى كتمان الشعر وما أصعب اختناق الأحاسيس فى صدرى!

■ الاستعدادات الهائلة التى تكلفت المليارات لتليق بالمناسبة الرياضية الكبرى عالمياً وإفريقيا- كشفت لنا حجم الوهن لفريقنا الذى لم يكن فى كل الأحوال منسجماً مع ذاته، فكان يجرى بالكرة مثل أشبال مدرسة بنباقادن الثانوية! ولولا كف حارس مرمى المنتخب المصرى الشناوى لكانت الخسارة ثقيلة على القلب والروح ويكفى أن ترى هزيمة المنتخب على وجه طفل برىء دون العاشرة رسم العلم المصرى على وجهه بين الدموع التى سقطت كالمطر، وهناك- مثلى- من احتبست الدموع فى المآقى، لكن رياح الإحباط غطت مصر ليلة السب، سحابة سوداء!

■ اقتنعت فى تلك الليلة أن استديوهات التحليل ما هى إلا ثرثرة رياضية سبوبة تماماً مثل عدد الإعلانات الهائلة التى رأتها العيون الشاخصة لشاشة سبورت تايم التى احتفلنا بميلادها وكأنها قمر صناعى أضفناه للأقمار الصناعية السابحة فى الفضاء. كلام وتكتيكات فى استديوهات التحليل والواقع هزيل والأداء بطعم الخزى.

محمد صلاح...!! «الهتيفة والمطبلاتية.. يمتنعون».

■ هل هى عادة قومية أننا حين ننتكس نبحث عن «شخص ما» يتحمل مسؤولية الهزيمة، من هزيمة مصر فى ٦٧ إلى هزيمة المنتخب فى ٢٠١٩؟!

■ وكيف يهبط مستوى الأداء إلى حد الضياع ولعيبة مصر فى «أرضهم» فى «بيتهم» فى «عقر دارهم» فى استاد القاهرة الذى احتشد فيه ألوف المصريين بأعلامهم والأمل يسكن صدورهم، ثم يخرجون منكسى الرؤوس؟ دامعى العيون؟

■ من ذلك الذى روَّج أن الكرة مصدر الفرح فى حياة المصريين؟ لماذا تسيطر علينا لوثة الفرح التى تودى بأحلامنا؟

■ أظن أن المجاملات دخلت فى اختيارات «اللعيبة» وكان المدرب الأجنبى لا يعترض مطلقاً وأظن أنه ساد شعار يقول إن محمد صلاح أهم من اتحاد الكرة.. ومن يشير عليه «مو» يستجاب له. هذا الكلام من داخل غرفة ملابس نجوم المنتخب!

■ كشفت الهزيمة عن فساد «للركب» فما مدى حجمه أولاً وما مدى صحته، وبدخول البرلمان فى المساءلة والبلاغات المقدمة للنائب العام، سنعرف الحقيقة.

■ نعم حق الضجر مكفول لى كمواطن أدفع الضرائب، وأرى أن أفضل اسم لـ«تذكرتى» هو «خيبتى».

■ أتوقع من «نائبة» البرلمان ليست كروية، وطالها الإحباط العام أن تقدم استجواباً نصه «كم بلغ حجم الإنفاق على هذه المناسبة؟ أفهم أن هناك فى الأمر جانب سياسى أفريقى نحن حريصون عليه وندعمه ونسعى إليه بعد إهمال السنين ولكن الرأى العام فى مصر يرى الفوز مدخلاً للسياسة. فكيف ضحى المنتخب «غير المتناسق» و«غير المنسجم» بسمعة مصر فى هذا المحفل السياسى والكروى المذيل باستقالات لإخفاء الوجوه.

■ بالغنا بهذا الاهتمام الكروى حداً فاق الوصف. وجعلنا من الكرة واهبة الحياة وساقنا «الغرور» إلى ضعف الأداء، وكأننا كنا نتصور أننا أسياد العالم فى الكرة ومعنا تميمة الكرة المصرية «مو» الذى جعلناه بطلاً أسطورياً فى الملعب وحرمه «باكات جنوب إفريقيا» وقرصانها من تحقيق أحلامه، فكلما اشتبك بالكرة ضاعت منه، ضياع طفل من أمه فى مولد!! وأدبياً «خانة الحظ»!

■ يدهشنى اختيار وقت المباراة البائسة لتمرير الزيادة فى أسعار المحروقات التى واكبها ارتفاع أسعار أخرى وليس من المعقول أن نخصص مفتش تموين بكل جزار أو فرارجى أو بائع أسماك أو فكهانى على عربية أو نص نقل بالنفر. هل كان الناس فى غمار فرحة الفوز على جنوب أفريقيا، ست؟؟؟ تماماً أصوات الاحتجاج؟

ربما!! حقاً إن الكرة هى أفيون الشعوب.

■ لعل «وكسة» المنتخب فرصة لخسائر مغطاه وأحياناً مطلية فوسفور، وفرصة لسد ثقوب كانت سر الهزيمة، دائماً «النكسات» فرصة لإعادة ترتيب الأوراق وليس تستيفها! هناك فرق.

■ أعطوا الكرة حجمها الحقيقى فى المجتمع وأعطوا الثقافة الغائبة حقها الكرة رياضة فيها المكسب والخسارة ولكن مبالغاتنا فى تقدير حجمها أصابنا بلوثة الحزن عندما اهتزت شباك الشناوى!

■ لا لتغييب «وعى» الشعوب» بالكرة ولا لـ«تأليه» أى نجم مهما كانت عبقرية قدميه.

* ومن لا يمنحنى «حق الضجر» من أمر يخص الوطن وأحد مصادر الفرح لناسه؟!
نقلا عن المصرى اليوم