هانى لبيب
تاريخ الصحافة فى مصر كتبته رموز كبيرة. صحفيون جمعوا بين السمات الشخصية الفريدة ودقة المعلومة ورصانة اللغة والقدرة على التحليل والنفاذ إلى مصادر المعلومات والوصول لصانعى القرارات واستخدام الأرشيف الصحفى للارتكاز على الماضى فى تفسير الأحداث الجارية.
 
لقد بدأوا مسيرتهم المهنية كبارا، ولم يحصلوا على لقب «الأستاذية» بالأقدمية كما يحدث الآن. وتذكروا جيداً أسماء بحجم لطفى الخولى، ومحمد سيد أحمد، وسعيد سنبل، وسلامة أحمد سلامة، وموسى صبرى.
 
أتذكر جيدا هيبة الصحفى المتخصص ومكانته فى الوزارة أو المؤسسة المنوط به متابعة أخبارها.
 
وعلى سبيل المثال: جمال الغيطانى المحرر العسكرى، وسامى خشبة الناقد المسرحى، وصلاح عيسى المؤرخ السياسى، ورجاء النقاش الناقد الثقافى، ولبيب السباعى محرر التعليم، وحلمى النمنم فى مجال الإسلام السياسى، ومحمود صلاح رائد القصة الإنسانية فى الحوادث.
 
كانت مكانة هذا الصحفى أو المحرر ليست فقط فى قدرته على الوصول للوزير أو الاتصال به، ولكن فى تشعب علاقاته أو نفاذه داخل أروقة الوزارة أو المؤسسة وعمله الدؤوب لتحقيق الصالح العام، وتصويب قرارات أو تعديل إجراءات.
 
لقد أسهموا فى الارتقاء بمكانة المؤسسات الصحفية، واستطاعوا أن يصلوا بصوت الرأى العام إلى الوزارات والمؤسسات، وتقديم حلول للمشكلات والأزمات.
 
لكن للأسف، ما ألاحظه، خلال السنوات الأخيرة، هو تراجع أداء محررى الوزارات والمؤسسات، خاصة المتابعين للملف الدينى للكنيسة والأزهر، بحكم متابعتى المستمرة لهذا الملف.
 
لاحظت، كما لاحظ الكثيرون، تحول بعضهم بشكل أو بآخر إلى مندوب للكنيسة أو الأزهر فى مؤسسته الصحفية، وهو ما جعله «ملكيا» أكثر من الملك فيما ينشر عن المؤسسة التى جعل نفسه مندوبا لها حتى لا يفقد علاقاته ومصالحه غير المباشرة فى الكثير من الأحيان.
 
هؤلاء أسهموا فى تراجع المهنة وقيمها بعد أن أصبح همهم الرئيسى هو إرضاء تلك المؤسسات، فقد تحول المحرر إلى مجرد «محولجى» لتوجيه الأخبار والبيانات إلى مؤسسته الصحفية الرئيسية، وترتب على ذلك حالة تصحر إعلامى وتجريف مهنى لا مثيل لها.
 
الأسوأ هى فكرة «الجمعية» بين محررى الملف الواحد، حيث يتفقون ضمنيا على تبادل ما يحصل عليه كل منهم سواء كان خبرا أو معلومة، أو لقاء أو ندوة، أو صورة أو فيديو، على جروب «الواتس آب» ليستفيد منه الآخرون بعناوينه وأخطائه دون أى مجهود يذكر، ودون أى إبداع مهنى فى التعامل مع الخبر أو الحدث أو الصورة. وهو الأمر الذى حصر معظم أخبار الملف الدينى فى مساحة ضيقة، رغم ثراء هذا الملف الذى يتسم بالجديد دائما.
 
نقطة ومن أول السطر.
 
الإعلام بمهنيته ومعاييره وأخلاقياته واستقلاله وعدم توظيفه- هو ضمير المجتمع ونبضه لصالح مستقبل هذا الوطن.
 
نقلا عن المصرى اليوم