مراد وهبة

فى الخامس من شهر إبريل من عام 2008 دُعيت من قِبل وزارة الخارجية المصرية للمشاركة فى ندوة إقليمية بشرم الشيخ، موضوعها «مكافحة ازدراء الأديان». وموضوع الندوة يلزم منه تعريف مصطلحين ثم إثارة سؤال. المصطلحان هما: الدين وازدراء الدين، أما السؤال فهو: ما العمل لمكافحة ازدراء الأديان؟
 
الدين له معنيان: الدين بمعنى الإيمان والدين بمعنى معتقد. الدين بمعنى الإيمان يعنى الثقة مع التصديق. أما الدين بمعنى المعتقد فهو مرادف للعقيدة، وهما مشتقان من الفعل «اعتقد» فيقال اعتقد الشىء، أى اشتد وصلب، ولذلك فالعقيدة لا تقبل أن تكون موضوع شك ممن يعتنقها ولذلك قيل عنها فى اللغة اللاتينية لفظ دوجما وكان يطلق على قرارات المجامع المسكونية المسيحية. وكانت جملة هذه القرارات يطلق عليها اسم علم اللاهوت ويقابله فى الإسلام علم الكلام، والخارج على هذا العلم يتهم بأنه هرطيق أو ملحد. وتأسيساً على ذلك يمكن القول إن الفارق بين الإيمان والمعتقد هو أن الإيمان محصور فى القلب، فى حين أن المعتقد محصور فى العقل. ولكن العقل هنا ليس هو العقل المنفتح، إنما هو العقل المنغلق الذى يحيل بنود المعتقد إلى حقائق مطلقة. وهكذا يتحول الإيمان، فى نهاية المطاف، إلى دوجما، أى إلى مطلق يرفض مطلقاً آخر لأن المطلق، بحكم طبيعته، واحد لا يقبل التعدد. فإذا وجد مطلق فإنه يدخل فى صراع معه. ومن هنا يمكن القول إن الدوجمات التى هى مطلقات هى فى حالة صراع من أجل البقاء قيحاول كل مطلق تحقيق ذاته فى الواقع فى جميع المجالات، وهذا التحقق قد يتخذ شكلاً سلمياً أو شكلاً حربياً، وغالباً ما يتخذ شكلاً حربياً على نحو ما هو مشاهد فى مسار الحضارة الإنسانية.
 
هذا عن معنى الدين، فماذا عن معنى ازدراء الأديان؟ الازدراء، لغة، يعنى التشويه مع احتقار متعمد. وفى ضوء هذا التعريف ماذا يعنى ازدراء دين معين؟ إنه يعنى تشويه هذا الدين مع احتقار متعمد يأتى على غير مقصد هذا الدين. ويترتب على ذلك سؤال: إذا لم يكن الازدراء قد أتى من الدين فمن أين أتى؟ أظن أنه قد أتى من مسلك مؤمنين بهذا الدين أو ذاك، وأن هذا المسلك قد تأسس على فكر معين هو موضع ازدراء من وجهة نظر فكر آخر مناقض له. وازدراء الدين عند هذا المستوى ينطوى على تعصب يتسم به ذلك الفكر والفكر الآخر، والتعصب ينطوى على كراهية وعدوان مكبوت. والتعصب، هنا، مردود إلى الأصوليات الدينية لأنها من قبيل المطلقات، والمطلقات فى حالة صراع. إذن ازدراء الأديان وارد عند مستوى الأصوليات.
 
يبقى بعد ذلك التساؤل عن كيفية مكافحة ازدراء الأديان وجوابى هو على النحو الآتى:
 
إذا كان ازدراء الأديان وارداً عند مستوى الأصوليات الدينية التى هى مطلقات متصارعة فليس من سبيل إلى مكافحتها إلا بتدريب البشر على التفكير بالنسبى وليس على التفكير بالمطلق. وهذا التفكير النسبى يسمى التفكير العلمانى، ذلك أن تعريفى للعلمانية هو «التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق».
 
إذن العلمانية هى الحل لمواجهة ازدراء الأديان.
 
نقلا عن  المصرى اليوم