تدخل الأباء فى حياة أبنائهم يخلق منهم شخصية مشوهة غير قادرة على اتخاذ قرار فى الحياة

 
•كل واحد منا بداخله فلتر إذا استخدمه سيتخلص من كل المشاعر الغريبة والأشخاص السلبية
• الناس بتعاملنا كما نعامل نحن أنفسنا
 
بساطته وأسلوب كتابته جعلته فى فترة قصيرة كاتب الشباب الأول ، استطاع من خلال كتبه الثلاثة ،علاقات خطرة والخروج عن النص ولا بطعم الفلامنكو ،أن يضعنا أمام أنفسنا لنراها على حقيقتها ونتعلم كيف نخرج عن النصوص القديمة التى فرضت علينا لنقبلها كما هى لربما نأخذ فرصة جديدة لحياة أفضل وأهدأ .. وفى هذا الحوار سنحاول مع دكتور محمد طه الكاتب والمفكر وأستاذ الطب النفسى أن نناقش معه بعض الأفكار التى عرضها فى كتبه لعلها تكون طوق النجاة للتغلب على الكثير من مشاكل الحياة وعثراتها وصدماتها النفسية.
 
" من حقك محدش يقرب من حدودك النفسية بدون استئذان " دائما ما تحذرفى كتبك من اقتحام الحدود .. فهل ترى أن هذا الأمر أصبح مستحيلا فى ظل استباحة الخصوصية على صفحات السوشيال ميديا ؟
مما لاشك فيه ان السوشيال ميديا ساهمت بشكل كبير فى اقتحام الحدود النفسية واستباحة الخصوصية لكن الحقيقة أن الأمر يعود الى طبيعة المجتمع نفسه فنحن فى مصر لدينا قدرة غير طبيعية على اقتحام حدود البشر أبسط صورة لها عندما نقف على ماكينة ال ATM فنجد جميع من حولنا يتابع بدقة ما نفعله ولكن تبقى المشكلة الأكبر فى اقتحام الخصوصية والحدود النفسية عندما تلتقى بشخص لأول مرة فيسألك فى تفاصيل ليست من حقه على الإطلاق مثل " إنت متجوزة ولا لأ ، طيب عندك أولاد ، أو متجوزتيش ليه لحد دلوقتى " وكلها أسئلة لاتصح والحقيقة أن تلك المشكلة خاصة بالمجتمع المصرى فقط وسببها البيت حيث إننا نفعل ما تربينا عليه فى طفولتناعندما كان الأب والأم يسمحان لـنفسيهما بالتدخل فى حياة أولادهما ويرسمان لهم خريطة كاملة بالأشياء التى لابد أن يفعلوها أوالأشخاص والأصدقاء الذين لابد ان يبتعدوا عنهم مما يخلق شخصية مشوهة غير قادرة على اتخاذ القرار الصحيح فى حياتها ثم يأتى بعد ذلك الزوج أو الزوجة ليكمل مسيرة اقتحام الحدود النفسية والشخصية حتى نكتشف بمرور الوقت والسنوات أننا لم نعش حياتنا وإنما عشنا حياة أشخاص آخرين وهؤلاء الأشخاص كان لابد من الهرب من سيطرتهم حتى لانندم فى النهاية.
 
المشكلة أن هناك أشخاصا لامفر منهم مثل الأباء أو الزوج أو الزوجة .. فكيف يمكننا الهروب من تدخلهم فى حدودنا النفسية والشخصية؟
بالشجاعة فى الرفض والاستعداد لدفع الثمن حتى لو كان هذا الثمن خسارة علاقة زواج أو صداقة قوية لأن البديل لذلك أننى سأظل طوال العمر شخصية تابعة ومستباحة أما فيما يتعلق بالأباء فأنا دائما ما أنصحهم بأن يتركوا لأبنائهم حرية الاختيار ويكتفوا بالتوجيه فقط وعلى الأولاد أن يأخذوا بهذا التوجيه أو لا حتى يتحملوا نتيجة قراراتهم وينمو لديهم الإحساس بالمسئولية والقدرة على اتخاذ القرار.
 
وهل يمكن أن تكتسب هذه الشجاعة بالوقت والخبرة ؟
بالتأكيد فنحن نولد بها فالشجاعة فطرة فى الإنسان ولكننا نربى أبناءنا بطريقة خاطئة ونلزمهم طوال الوقت بالطاعة حتى نخلق منهم شخصيات مشوهة غير قادرة على تحديد أولوياتها واحتياجاتها فى الحياة ومن ضمن التشوهات النفسية المخيفة التى نربى عليها أولادنا هى المقارنة بينهم وبين الأصدقاء والأقارب فطبيعى لما يكبروا يبقوا مش راضيين بأى حاجة لأننا لم نزرع بداخلهم أنهم يبقوا أنفسهم لذا سيشعرون دائما أنهم لايستحقون الاهتمام أوالحب أو النجاح.
 
" كل واحد فينا بيتولد وجواه احتياجات نفسية يتقبل ويتحب ويهتم به " .. فهل هناك تنازلات أو ثمن لابد أن ندفعه مقابل تلك المشاعر؟
فى رمضان 2014 قامت إحدى شركات المياه الغازية بفكرة حملة إعلانية اعتمدت فيه على كتابة الأسامى بشكل عشوائى على عبواتها فنجحت الفكرة نجاحا مبهرا والحقيقة أن السبب وراء هذا النجاح هو وجود احتياج طبيعى عند البشر اسمه "الحاجة الى الشوفان" يعنى تحس من الآخرين أنك متشاف وموجود ومهم وأن وجودك له قيمة وتأثير ومعظمنا مستعد مقابل هذا الاحتياج أنه يقدم تنازلات مثل الطفل الذى يضطر لشرب اللبن حتى يرضى أمه ليسمع منها كلمة " شاطر " أو الزوجة التى تضطر لفعل أشياء هى غير راضية عنها لمجرد أن ترى نظرة رضا فى عيون زوجها وأخطر ما فى هذا الشعور أنه ممكن يحول البنى أدم لمسخ وشخص آخر تماما غير البنى أدم الحقيقى اللى جواه والأخطر أنه بيكون هو المسئول عـما وصل إليه عندما سمح لغيره أنه يلبسه شخصية غير شخصيته ووافق أنه يكون جزءًا من سيناريو خاص بشخص آخر.

والحل ؟
الحل فى الرفض .. كل واحد فينا بداخله فلتر لكن معظمنا للأسف لايستخدمه لأنه أصلا " مش واخد باله منه " ولكننا إذا اعتادنا على استخدامه سنتخلص من كل المشاعر الغريبة اللى أتزرعت فينا وشوهت فطرتنا وجعلتنا نعيش حياة تعيسة لاتناسبنا وأن نبتعد عن الأشخاص مصاصين الدماء وهم من يريدون أن يأخذوا منا كل اللى يقدروا عليه وبالمناسبة معظم الزيجات الفاشلة بيكون سببها أن أحد الطرفين وغالبا ما يكون الرجل بيستبيح حياة وخصوصية الطرف الآخر حتى يقتل بداخله كل مشاعر الرضا والحب كما أن كثيرًا من الأمراض النفسية التى تصيب الأطفال والشباب فى مقتبل العمر بيكون وراها أب أو أم متصورين أن ابنهما أو بنتهما مشروع حياتهما وأنه لازم يحقق أحلامهم ويفعل ما لم يستطيعوا هم بغض النظر عن مشاعر وأحلام ورغبات الأبناء .
 
قلت فى كتابك الخروج عن النص " الناس حتعاملك زى ما أنت بتعامل نفسك " فمعنى ذلك أننا لابد أن نؤمن بأنفسنا اولا حتى يؤمن الآخرون بنا؟
بالتأكيد فالناس تعاملنا كما نعامل نحن أنفسنا بالضبط فأنا لو قدرت نفسى وأعطيتها حقها سيقدرنى الناس ويعطونى قدرى أما لو قللت منها وعاملتها وكأنها لاتستحق فطبيعى أن الناس ستستبيحنى وتتجاهلنى و"تيجى على حقى" لذا فأنا دائما ما أنصح الشباب فى كتبى والمرضى فى عيادتى أن اول خطوة على طريق النجاح والحياة الحقيقية أننا لازم نحب نفسنا ونقدرها ونؤمن بها وعلى الأباء أن يدركوا أن ما يعاملون به أطفالهم فى السنين الأولى من عمرهم هو ما نفسه ما سيتعاملون به أنفسهم والعالم كله عندما يكبروا وأن يتجنبوا قدر الإمكان عقابهم لأن ما يترك أثرًا أكبر فى النفس والذاكرة هو الآذى .
 
وما تفسيرك للأشخاص التى تنشأ فى بيئة مهيئة تماما لخروج شخص مشوه نفسيا ومع ذلك نجده عندما يكبر ويدرك شخصا ناجحا وسويا نفسيا؟
لأن التربية ليست هى العامل الوحيد المؤثر فى الإنسان إنما هناك عوامل أخرى منها العوامل الجينية بمعنى أن هناك شخصا جيناته تحمل عوامل اكتئاب ولكن البيئة التى نشأ بها تغلبت على هذا الجين كما أن مستوى الذكاء أيضا من العوامل المؤثرة لذا فالأطفال التى لديها مستوى عالٍ من الذكاء تستطيع أن تتغلب بشكل أسرع على الصدمات النفسية كما أن موسم الميلاد سواء كان صيفًا أو شتاءً له تأثير أيضا على القوة النفسية فالأشخاص التى تولد فى الشتاء تكون أقرب للاكتئاب والأمراض النفسية عكس الناس التى تولد فى الصيف والربيع بتكون نفسيتهم أقوى ولديهم إقبال أكبرعلى الحياة والتجربة والمغامرة ومن العوامل التى تؤثر على الشخصية أيضا وجود أشخاص بخلاف الأب والأم مثل الخال أو العم أو المدرس كانوا داعمين للطفل ومؤثرين فى تكوينه النفسى بشكل إيجابى .
 
 
بما أنك كاتب الشباب الأول الآن .. فهل هناك روشتة يمكن أن تكتبها لهم تكون بمثابة خارطة طريق للتغلب على المشاكل والعثرات والصدمات النفسية التى يواجهونها فى حياتهم ؟
هى رسالة واحدة فقط لو آمنا بها جميعها وصدقناها ستكون بمثابة طوق النجاة من جميع المشاكل والصدمات النفسية وهى " أنا أستاهل " فلو كل واحد فينا آمن أنه يستحق أن يفرح ويتحب ويتقبل كما هو ويتشاف وينجح ساعتها فقط سيتغلب على كل مشاكله فمثل ما كل فرع فى الطب به مرض السرطان نجد أن سرطان الطب النفسى هو إذا آمن الشخص أنه لايستحق لأنه هنا سيتعامل مع الدنيا على أنه لايستحق منها شيئا وهنا بداية الفشل والانكسار كما أننا لابد أن ندرك أننا بشر يعنى طبيعى نضعف ونخطىء فبدون فشل لن يكون للنجاح طعم وأن نقبل أنفسنا كلها على بعضها بضعفها وقوتها وأخطائها وصوابها ونصدق أننا نستاهل كل حاجة كويسة فى الدنيا وساعتها فقط سننجح ونعيش حياتنا كما نريدها لأنفسنا وليس كما يريدها الآخرون لنا .
نقلا عن الآهرام