المطران جورج خضر 

هذه الكتابة لا علاقة لها بسني خصوصا ان معظم القراء لا يعرف عني شيئا.
 
لهذا يزين لي أني قادر أن أكتب حرا من اعوامي المنصرمة والآتي الممكن لا يعرفه الا ربّك.
 
نحن نجيء من ماضينا ولا نعرف ان كان لنا آتٍ. لا يقاس الانسان بعدد ما مر عليه من أعوام.
 
قد تكون فارغة او الكثير منها كذلك.
 
الإنسان ما استلم او ما ارتضاه مما استلم وهو من حاضره المقبول او المرفوض او ما كان منه تحت السؤال. نحن حركة بحيث اننا لسنا مجرد ثمرة لما مضى علينا لكوننا ارتقاء او أقلّه تغيراً.
 
لذلك لا يعني تقدم العمر شيئا.
 
لا هو نضج بالضرورة ولا هو اهتداء.
 
ليس العمر بشيء.
 
ما تملأه فيه من حضرة انسانية هو كل الوجود لأن الزمن لا يأتيك، ضرورة، بمضمون.
 
كان لك وعاء والوعاء يحمل كل شيء. انت لست نتيجة مرور السنين عليك فقط.
 
انت حضور الحضرة الالهية ان نزلت. وانت بذا متطلّع الى الآتيات او الى الباقيات الأبقى من الآتيات.
 
انت ما كنت وما تصير وتريد في الآن ان تصير. مرة أراد كبير في كنيستي منذ خمسين سنة ان يرد حجتي عليه بقوله لي خبرة سنوات عديدة.
 
أجبته ليست الخبرة بشيء اذ قد تكون خبرة خير او خبرة شر.
 
وكل واحدة منها تعلّمك شيئا. لذلك لا تستطيع ان تفرض عليّ ما تعتبره علما جاءك من الخبرة.
 
ربما كان الرجل على حق ان يعتبر جوابي له تحديا. ولكن من قال ان التحدي لا يحمل الحق او من قال ان خبرة الشيوخ تحمل معها الحقيقة. ربما حملت معها المرارة.
 
فالانسان لا ينمو دائما رفيق الله اي عارفه. غالبا ما يكبر ذواقا لخطاياه ومستخلصا فكره من تراكمها فيه. غير صحيح ان الكهولة او الشيخوخة تأتينا دائما بالفضيلة. فكثيرا ما حملت أتعابنا والفكر الآتي من الأتعاب اي من المرارة.
 
كثيرا ما أتاك العمر بالكآبة ولكن لك ان تقاوم لأن مسؤوليتك العطاء الذي يستحيل اقترانه بالحزن الشديد. المسؤول من عرف ان له غدًا يملأه بالحب لأنه وحده الخلاق في الزمان.
 
ليس في اية مرحلة من العمر مضمون روحي واحد. الطهارة والدنس ممكنان في اية حقبة من وجودنا الأرضي الى أن يتبرأ الإنسان بالموت كما يقول الرسول. لذلك يصرّ آباؤنا على القول ان من أهم ما يعطاك في جهادك ان تذكر الموت كل يوم. أرادوا انك ان فعلت هذا لا تقوم على الخطيئة لأن الموت الذي تنتجه رهيب لديك.
 
تعلّم السن او تفسد المعرفة التي تنسب الى الشيوخ فيها سلام او فيها اضطراب. كمّ الأعوام يعطي هذا او ذاك. لا يأتيك النضج دائما من تقادم الزمان عليك. انه في أعماقه هبة إلهيّة، فوق استواء العقل وأعلى ذرى السلام وهذا ينزل عليك من الرب.
 
ومن هذه المقاربة قد يأتيك فتى أعلى قدرا في العقل من طاعن في السنّ.
 
العقل العظيم ما ينزل عليك من ربّك المنشئ للعقول ومربيها.
 
غير ان أهمية السن عند الصالحين ما كانت في توبتهم وهذه غالبا ما تتطلب مراس زمان لأن التوبة جرح بالغ ولا يستقر الإنسان فيها الا اذا انتظر الموت او ترجاه.
 
ما منع الله هذا الترجي. انه منع الحزن امام ما نتوقعه اذ فتح لنا باب الرجاء الذي هو انفتاح على القيامة.
 
أنت تلميذ كل حقب العمر والا كنت غبيا. لك خبرتان: خبرة خطاياك وخبرة فضيلتك. واذا وهبك الله نعمة من عنده تضرب خطيئتك بما اكتسبت من فضيلة اي اذا رأيت وجه الله أبهى شيء في الوجود، غير ان هذا تتعلّمه بالمراس، بالصبر على خطيئتك ورجاء خلاص منها. والصبر لا يعني الاستكانة او الانهزام. انه يعني شكرك لما استلمت من تعزيات الرب والبقاء عليها. ليس الصبر الدوام على كل حال. انه فقط الديمومة مع النعمة لأن شريكك فيه هو الله ذاته.
 
من هذه الزاوية لا تعني السن شيئا. قد تأتي بارتقاء روحي وقد تأتي بهبوط او تخلّف او فساد. تقادم الزمان لا يعطيك شيئا بالضرورة ولا يحرمك شيئا ان شئت المثابرة. الله وحده معطيك في كل ظرف من ظروف حياتك. وحياتك العميقة هي النعمة فيك. انت تحيا ان كنت تستلم النعمة بشكر وتفهمها وتصر على البقاء فيها.
 
فاذا تجلّت الرؤى الإلهيّة فيك يسجّل الله لك عمرًا روحيا لا علاقة له بالسنين. فالله حضور وليس تعاقب أعوام الى ان يزول تحكّم الزمان فيك وحكمتك النعمة. عندئذ، تسكن الأبديّة وانت في حدود الزمان.