بقلم / عزت بولس
بما أنني من الأشخاص الذين حالفهم الحظ بالعيش في أكثر البلاد سعادة في العالم - سويسرا حسب ما نشرته الأمم المتحدة - وفى نفس الوقت متواجد بصفة شبة مستمرة في مصر ،البلد التي جاءت في المركز 155 من حيث السعادة، أجدني بطريقة عفوية ألجأ إلى" المقارنة" بين البلدين.

بالطبع سوف يقفز إلى فكر القارئ  التساؤل المنطقي"هو هايقارن إيه بأيه، بلد وصلت إلى أقصى معدلات التقدم  والرقى ،وأخرى يطلق عليها تأدبًا "بلد نامية" أو من" بلدان العالم الثالث"  ولكن بنزعتي المتحيزة لبلدي أرفض منطق التقليل من شأن وطني، لسبب بسيط أن المصري المتهكم عليه هنا،عندما  يصادفه الحظ في العيش في سويسرا يتصرف كما يتصرف السويسري في غالبية الأحيان ، بل أكاد اجزم انه- المصري-  في بعض الأحيان يتفوق عليه،إذن لماذا كل تلك الفروق الكبيرة بين هاتين البلدين؟

  دعني أصرح أنه عندما تطأ قدمي مدينة "زيورخ" أبدأ في عقد المقارنة بين مصر وسويسرا ، ويبدأ صراعي الداخلي باحثًا عن دوافع إصرار المواطن السويسري في الحرص على نظافة شوارع وطنه دون أن يكون هناك رقيب على ذلك غير " نفسه" فقط .

الشوارع السويسرية مزينة بالزهور الجميلة المبهجة فلا يوجد على الأرض " عقب سيجارة " واحد، الأرصفة متساوية معده للمشاة ولهذا لا تجد من يترك " الرصيف" للسير بوسط الشارع كما هو الحال لدينا، أضف لذلك ظهور عربات الأطفال برفقة أهلهم بعكس الحال لدينا حيث أهالي حاملين أطفالهم مهرولين بهم في عبور أشد الطرق خطورة، دون اكتراث وتحت دعاوي قدرية لا علاقة لها سوى بالإهمال وفقدان التخطيط حكوميًا والتفكير شعبيًا .

عندما أتجول بشوارع " زيورخ" أكون سعيد برؤية سيدات بملابس جميلة تضفي عليهن المزيد من الجمال، بغض النظر عن مستوى جمالهن الأساسي، وأشعر بالأسف عندما أقارن ذلك المشهد بحال النساء في الوطن مصر، وسأتوقف عن عقد المزيد من المقارنات بهذا الشأن حتى لا أثير " الحزازات" بين سيدات وطني ومثيلتهن بسويسرا.

إذا تحدثنا عن الجوهر بالبلد السعيد سويسرا، وألقينا نظرة عن اهتمام المجتمع السويسري بالطفل ،سنجد ما يسعدنا هناك ويغضبنا هنا بمصر ، حيث يلتحق الطفل وهو بسن الرابعة ب" الحضانة" ليقضي عامين كاملين بتعلم آليات العمل الجماعي الإبداعي من خلال الرسم وغيرة من الأنشطة المتوافقة مع بنية الطفل الصغير جسمانيًا ونفسيًا وعقليًا. مع الابتعاد التام عن التحصيل الدراسي وتعلم الأبجدية كما هو الحال بمصر حيث يتباري الأهل بقدرات فلذات أكبادهم في التحصيل الدراسي وهم بعمر الحضانة، ولا يدرون أن مثل ذلك الأداء مع الطفل يشكل عبئًا نفسيًا وذهنيًا عليه..كم أنت تعيس أيها الطفل المصري.

بعد مرحلة " الحضانة" يبدأ الطفل السويسري بالدراسة لتسع أعوام إجبارية ، بعدها يتجه الغالبية من الطلاب للتعليم الفني وقلة للتعليم الأكاديمي- لا يوجد مكتب تنسيق بل يذهب كل طالب لما يتوافق مع ميوله ورغباته المتوافقة مع إمكاناته المادية أيضًا- من يُكمل دراسته الأكاديمية ويلتحق بالجامعة يتخرج منها حاصلاً على درجة " الماجستير" ليواصل حياته العملية، بعكس الطالب المصري الذي يعيش مراحل تعليمه " مطحونًا " من أجل الحصول على درجات بعينها للالتحاق بكلية غالبًا ما تكون عاكسة لرغبات الآباء وليس الأبناء، ليعمل بعد كل تلك السنوات التعيسة  الطالب المصري الحاصل على شهادة جامعية في عمل غالبًا لا يفضله ولا يتناسب مع ميوله وقدراته.

وإذا حالف أحدهم  الحظ وألتحق بوظيفة في الغالب لا تتعلق بما قام بدراسته لأعوام طويلة ، يمارس من خلالها العمل مجبرًا، غير قادر أو راغب في إجادته، فيعاقبه صاحب العمل الذي وفر له فرصة الوظيفة ،ليصبح هم الملتحق بالعمل هو كيفيه قضاء ساعات العمل دون أن يفكر في الإبداع أو الابتكار ، والنتيجة عمالة دون أنتاج حقيقي،خمول في أماكن العمل بصور"بلطجة ناعمة".

بالطبع العامل السويسري الذي يوصف من البعض ب"الكافر والفاجر" يتفانى في عملة ويرتبط عدد ساعات عملة بما يقدمه من إنتاج فكرى أو يدوى، بل أكاد أجزم أن السويسري يستمتع بعمله ويساهم في رفعه ونهضة بلده دون شعارات حب .

عوامل كثيرة جعلت المعيشة  في بلاد البرد القارص توصف ب"السعيدة"  والسؤال هل كل هذا ببعيد عن الواقع المصري؟ الإجابة ب " لا " يعقبها " لو" واترك  لكم "لو" للتفسير.