عبد المنعم سعيد
أكتب هذا المقال قبل أسبوع من وصوله إلى القارئ وبعد أن استكمل فريقنا القومى استعداداته لمباريات كأس الأمم الإفريقية بمباراتين بدا فيهما الفريق لا بأس به، وهى درجة تعنى أن فوزه بالكأس محتمل، ولكنه ليس مؤكدا. الآن ومع نشر المقال فإن الفريق يكون قد خاض مباراة أو مباراتين، وهكذا فعلت فرق أخرى، وهكذا تكون كل الترشيحات للفوز بالكأس قد اختبرت الكثير من فرضياتها حول قوة الفرق وقدراتها وما تتمتع به من موهبة ومزاج. ولكن القضية بالنسبة لنا فى مصر ليست فقط الفوز بالكأس، وإنما كيف نجحت مصر فى تنظيم كأس الأمم الإفريقية رغم قصر مدة التحضير، والظروف المعاكسة التى جاءت بريح غير مستحبة حاول من لا يحبون الخير لمصر استغلالها. النجاح فى هذا الاختبار سوف يعطى لمصر قوة دفع معنوية كبيرة تضاف للكثير من المؤشرات الإيجابية التى جرت مؤخرا سواء ما تعلق بها بالاقتصاد والسياحة خاصة؛ أو ما تعلق بفتح ملفات صعبة آن أوان اتخاذ القرار فيها. ولكن هذا المقال ليس عن هذه الموضوعات وإنما عن كرة القدم التى قد تبدو أحيانا أنها فى الأول والآخر مجرد لعبة للشباب وصغار السن يلهون بها، أو يتعصبون بشأنها بين ناد وآخر؛ وفى مصر فإن التعصب للأهلى والزمالك لم يعد كافيا فاستورد الشباب المصريون أندية أجنبية للتعصب بشأنها. ولكن، ولحسن الحظ، أن محمد صلاح قد ظهر فى هذه المرحلة، مهارة وقدوة، فكان التخفيف من غلواء التعصب الخارجى فلم يكن الاختيار سهلا بين لاعبنا، وناديه «ليفربول» والأندية الأوروبية والعالمية الأخرى.

مضت ثلاثة عقود تقريبا على أول المقالات التى كتبتها عن كرة القدم فى ١٦ يناير ١٩٩٠ بالعنوان الكاشف «لماذا لا نفوز بكأس العالم؟».

.. كانت قد مضت حوالى ستة عقود على آخر مشاركة لنا فى الكأس العالمية؛ ولم يعد ممكنا تفسير ذلك الغياب بقلة المهارة الرياضية، ولكن كانت هناك أسباب أخرى تعود للدولة وللمجتمع، وإذا كنا لم نفز فى المباراة الكبرى للسباق بين الأمم فلماذا تكون كرة القدم استثناء؟ هى لعبة جماعية معبرة بشدة عن جوهر وطبيعة المجتمعات، وقدرتها على إدارة أمورها وصولًا إلى «أهدافها» القومية؛ وبالنسبة للكاتب السياسى فإنها تمثل معملًا لا يقل فائدة فى تحليل الأمر العام عما تمثله الآداب والفنون. كان جوهر السؤال آنذاك مطروحا على السقوف المحدودة التى طرحها كتاب مرموقون والتى لم تزد على «التمثيل المشرف». وللحق فقد ثبت أن هؤلاء الكتاب كانوا على صواب، فقد كان تمثيلنا كذلك، ولذا فإن ثمانية وعشرين عاما مضت قبل أن نصل إلى كأس العالم مرة أخرى؛ وكما حدث فى المرة السابقة خرجنا من الدور الأول. لم يكن الأمر فقط نقصًا فى المهارة الكروية، وإنما فى القدرة على إدارة السباق فى كأس العالم. ظهرت المسألة أكثر تعقيدا بكثير من الحكمة الدفاعية للسيد «كوبر» المدرب، ولا حتى بحدوث انقلاب فى تركيبة فريقنا من اللاعبين الذين يلعبون فى الدورى المحلى، وهؤلاء الذين يلعبون فى الأندية الأجنبية لصالح هذه الأخيرة. كان الأمر له علاقة بالتنظيم والثقافة والمعرفة بمعنى كيف تخوض سباقا من أجل الحصول على كأس العالم؟

كأس الأمم الإفريقية هذه المرة تحتوى على ما هو أكبر من مسابقة قارية. كان لدينا القدرة والعزم الذى يجعلنا على ثقة بعقدها على أرضنا قبل ستة شهور فقط من انطلاق المسابقة. هذه واحدة تشير مؤشراتها الأولية إلى أننا تعلمنا من دروس ماضية. الفريق الكروى المصرى فى حقيقته لم يتغير كثيرا، ففريق «كوبر» كان يعبر عن جيل من اللاعبين أكثر منه اختيارا شخصيا، فمن كانوا معه لا يزالون يلعبون مع أجيرى (الشناوى وحجازى والننى وحامد وصلاح ومروان ووردة)؛ ولا أظن أن المسألة أصبحت اتجاها هجوميا فى مواجهة اتجاه دفاعى، فأيا كان المدرب فإن الخطط الدفاعية والهجومية لا يحددها المدرب بالضرورة وإنما يحدد القدر الأكبر منها نوعية الخصم الذى يواجهه، فالقضية فى الأول والآخر من سوف يسجل قدرا أكبر من الأهداف، ويحرز عددا أكبر من البطولات. وفى الدورة السابقة فى الجابون وصل الفريق المصرى إلى الدور النهائى وخسر بفارق هدف واحد؛ ولم يكن ذلك مشرفا فقط ولكنه كان مثيرا للفخر الذى ضاع الكثير منه فى روسيا.

الآن نحن نخوض دورة أخرى ربما كان عقدها على أرضنا فيه فائدة لوجود الجمهور الذى لظروف كثيرة غاب عن الملاعب فى القدر الأعظم من زمن العقد الراهن. العودة فيها اختبار وتدريب للجمهور والدولة والفريق؛ ليس فقط أثناء المباريات، وإنما فى خارجها أيضا. فإفريقيا، كما هو الحال مع فرقها الكروية، تغيرت كثيرا، وربما أصبحنا أكثر معرفة بها. سياسيا فنحن أقرب لإفريقيا أكثر من أى وقت مضى منذ الستينيات من القرن الماضى؛ واقتصاديا فإن الروابط والتجارة تتزايد خاصة أن الدول الإفريقية قد غادرت عقودا تعيسة للحروب الأهلية الدموية، والأوبئة المعدية، وباتت التنمية على قمة أغراض الجميع. دخلت إفريقيا السباق العالمى ليس عندما أصبح لاعبوها نجوما فى أندية العالم الكبرى، بل إن منهم من أصبح نجما فى الفريق القومى لدول متقدمة مثل فرنسا؛ وإنما عندما دخلت أيضا إلى سباق التقدم من أوسع أبوابه. دول العالم الكبرى تتكالب على إفريقيا ليس لاستعمارها، أو لاستغلالها، وإنما لأن فيها استقرارا أكبر، وفرصا أعظم. مصر فى مقعد الرئاسة للاتحاد الإفريقى، ولكن هذا من الناحية الإجرائية مهمة مؤقتة، ولكن المهمة الدائمة هى إعادة التوازن لتوجهات مصر الخارجية ما بين المشرق العربى والقارة الإفريقية. وإذا كنا نعرف أكثر عن إفريقيا كرويا، الأندية واللاعبين، فإن معارفنا بها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا هى مهمة ليس فقط الدورة الحالية لكرة القدم التى تعرف فيها إفريقيا عن مصر الحالية أكثر مما عرفت فى الماضى، وإنما هى فرصتنا أيضا لعلاقة أوسع وأعرض. إفريقيا هى قارة المستقبل، ومهمتنا الآن أن نفوز بالكأس الإفريقية، وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث!
نقلا عن المصرى اليوم