لماذا يفضل التنظيم الإرهابي عاصمة الضباب؟
تعد بريطانيا الآن من أكثر الدول الداعمة لنظام الإرهاب، كما أنها من أكثر الدول التي تمنح حق اللجوء السياسي للمتهمين بالإرهاب على مستوى العالم، وهي الدولة نفسها التي ساعدت في إنشاء "جماعة الإخوان" المسلمين، وقدمت لهم الدعم المالي والاستخباراتي على مدار عقود، وهي الدولة نفسها التي فتحت لهم أبوابها ليعيشوا في أراضيها وتحت كنف حماية شرطتها، بل منحت بعضهم معاشا من الضمان الاجتماعي، ووفرت لهم المساكن وأحيانا سيارات مجهزة بأحدث المعدات، وكل ذلك من أموال دافعي الضرائب، فهناك من عاش قرابة عقدين "لاجئا في لندن يحيون على الإعانة الاجتماعية، دون أن يدفعوا بنسا واحدا للضرائب أو يعرق في أي عمل.

وعن بداية العلاقة المشبوهة بين الإخوان ولندن نجد أنها بدأت مع نشأة الجماعة الإرهابية في مصر مطلع القرن الماضي حينما تحالف مؤسس الجماعة حسن البنا مع المستعمر البريطاني لمصر، وحصل على دعم كبير من الاستعمار البريطاني تارة لمواجهة الأحزاب السياسية المناهضة للاستعمار، وتارة لدعم الملك في مواجهة خصومه السياسين، وظلت هذه العلاقة بين الإخوان ولندن حتى الآن، فقد أصدرت تريزا ماى رئيسة وزراء بريطاني قرارا يتيح لعناصر الإخوان حق الحصول على اللجوء السياسي، في شهر أغسطس/آب عام 2015، وقد ذكر التقرير الصادر عن حكومة لندن عدة أسماء من قيادات الإخوان مؤهلة للحصول على هذا اللجوء السياسي.


وللرد على سؤال لماذا يختار الإخوان لندن دون غيرها من العواصم الأوروبية للجوء إليها؟ يجيب الكاتب البريطاني مارك كيرتس في كتابه "العلاقات السرية" الذي صدر في عام 2010، عن العلاقة التاريخية بين الإخوان ولندن، من خلال وثائق أشارت إلى وجود صلات قوية بين الاستعمار الإنجليزي وجماعة الإخوان منذ النصف الأول من القرن الماضي، ويتحدث من خلال وثائق بريطانية رفعت عنها السرية مؤخرا، حول توطيد العلاقات من خلال التمويل والتخطيط لإفشال المنطقة العربية والإسلامية وإدخالها في أتون المعارك السياسية والحزبية الطاحنة بهدف تفتيت المنطقة وإدخالها في دوامة من الفوضى اللانهائية.


وتحدث الكاتب البريطاني عن بداية العلاقة بين الإخوان والنظام في لندن، التي تأسست مع الحرب العالمية الثانية، قائلا: شهدت جماعة الإخوان المسلمين نموا ملحوظا بقيادة حسن البنا، الذي سعى إلى تأسيس مجتمع إسلامي ليس في مصر فقط، ولكن في كل أقطار الدول العربية؛ ولذلك أنشأ العديد من الفروع لجماعته، في السودان والأردن وسوريا وفلسطين وشمال أفريقيا، بهدف إقامة دولة تحت شعار "القرآن دستورنا"، والتزم الإخوان بالتقيد الصارم لتعاليم الإسلام، وقدمت نفسها للمجتمعات الأوروبية على أنها بديل للحركات الدينية وحركات القومية العلمانية والأحزاب الشيوعية في مصر والشرق الأوسط، لجذب انتباه بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، وهما القوتان الموجودتان على الساحة في تلك الفترة.

وفي الأربعينيات من القرن الماضي ومع مهادنة حكومة الملك فاروق لحسن البنا، بدأت بريطانيا في تمويل جماعة الإخوان سرا منذ عام 1940، حيث رأى فاروق أنه من المفيد التحالف مع قوى سياسية أخرى ضد الأحزاب السياسية، التى كان يمثلها حزب الوفد، ويشير تقرير للمخابرات البريطانية عام 1942 إلى أن القصر الملكي قرر أن جماعة الإخوان جماعة مفيدة لهم، ومن هنا بدأت رعاية القصر الملكي لهم أيضا، وحتى يومنا هذا تم رعاية العديد من الجماعات الإرهابية في مصر من قبل الحكومة البريطانية، لمعارضة خصوم لها أو لتعزيز مصالحها.


ويضيف الكاتب مارك كيرتس في كتابه "العلاقات السرية" أن بريطانيا مولت "جماعة الإخوان" في مصر سرا، من أجل إسقاط نظام حكم الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر، والتمويل الذي بدأ عام 1942 استمر بعد وفاة عبدالناصر، رغم استخدام الرئيس الراحل أنور السادات الجماعة لتدعيم حكمه وتقويض تواجد اليسار والناصريين في الشارع المصري، واستمرت بريطانيا في اعتبار "الإخوان" سلاحاً يمكن استخدامه.

وفي الخمسينيات تآمرت بريطانيا مع الجماعة لاغتيال عبدالناصر، وكذلك الإطاحة بالحكومات القومية في سوريا، وبرز ذلك في حادث "المنشية" الشهير، والذي شهد إطلاق النار على جمال عبدالناصر من قبل أحد أعضاء الإخوان.

ويؤكد الكاتب الإنجليزي أنه في عهد عبدالناصر اعتبرت بريطانيا الجماعة بمثابة المعارضة لهذا النظام، التي يمكن استخدامها لتقويضه، وعقد مسئولون اجتماعات مع قادة الجماعة كأداة ضد النظام الحاكم في مفاوضات الجلاء، وخلال العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦ على مصر أجرت بريطانيا اتصالات سرية مع الإخوان، وعدد من الشخصيات الدينية كجزء من خططها للإطاحة بعبدالناصر أو اغتياله، وكان اعتقاد المسئولين البريطانيين في ذلك الوقت يركز على احتمالية تشكيل الإخوان الحكومة الجديدة بعد الإطاحة بعبدالناصر على أيدي البريطانيين، وفي مارس ١٩٥٧ كتب تريفور إيفانز، المسؤول في السفارة البريطانية، الذي قاد اتصالات سابقة مع الإخوان قائلا: إن اختفاء نظام عبدالناصر ينبغي أن يكون هدفنا الرئيسي.

وفي دراسة حملت عنوان "بين المشاركة وقيم بريطانيا.. علاقة الإخوان المسلمين بالحكومة البريطانية من سبتمبر حتى ثورات الربيع العربي"، أشارت الدراسة إلى أن العلاقة بين بريطانيا والإخوان اتخذت العديد من المنحنيات المهمة، وفي أعقاب تنحي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في 2011 كان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون أول مسئول بريطاني يزور مصر، في وعود منه للمصريين بمد يد بلاده لمساعدة مصر لإنشاء دولة ديمقراطية، في تلك الأثناء رفض كاميرون إجراء أي لقاء مع الإخوان المسلمين، الرفض الذي جعل عصام العريان، عضو مكتب الإرشاد، يشن هجوما حادا على كاميرون، وبحلول إبريل 2011 أفادت التقارير بأن وفداً من الخارجية البريطانية بقيادة مارى لويز آرتشر، القنصل العام بالقاهرة، زار المكتب الإداري لجماعة الإخوان في الإسكندرية، والذي أعلنه موقع الجماعة باللغة الإنجليزية "إخوان أون لاين".

 ويعد التحالف البريطاني مع جماعة الإخوان أحد أركان السياسة البريطانية الطويلة الأمد، التي انتهجتها منذ الحرب العالمية الثانية، لخلق أجيال جديدة من حلفاء محتملين لبقائها، كجزء من جهد الدولة للحفاظ على النفوذ الإمبراطوري، أو كوسيلة لتوفير بديل لتحديات أكثر خطورة، تظهر في الساحة السياسية وتعارض مصالحها، مثل الناصرية والشيوعية.


في مقابلة صحفية أجراها كمال الهلباوي، أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان في لندن في فترة التسعينيات من القرن الماضي، مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، أكد الهلباوي أن التعاون بين الحكومة البريطانية وجماعة الإخوان تعد سمة ثابتة من سياسة بريطانيا.

وقال الهلباوي إنه خلال منتصف 1990 عندما شن مبارك حملة على الجماعات الإرهابية في مصر فإن الحكومة البريطانية وفرت اللجوء السياسي لأغلب أعضاء هذه الجماعات، وعرضت عليه حماية شخصية، وهو الأمر الذي كشفت عنه سلسلة الوثائق التي كشفها الصحفي مارتن برايت المحرر السياسي بجريدة "الجارديان" البريطانية عام 2005، والتي أكدت أن المسئولين في المملكة المتحدة كانوا على علاقة وطيدة مع الإخوان المسلمين خلال معظم سنوات العقد الماضي.

وبالحديث عن حجم استثمارات جماعة الإخوان في بريطانيا وكيفية تحرك عناصرها داخل لندن بهذه الحرية، تقول مصادر إن جماعة الإخوان تمتلك في لندن ثروة مالية ضخمة تتراوح بين 8 إلى 10 مليارات دولار، إضافة إلى الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة للإخوان في العاصمة البريطانية.
نقلا عن العين الإخبارية