د. مينا ملاك عازر

فاتت النكسة وذكراها الاثنين وخمسين بسبب اهتمامي بمعايدتي على أحبائنا المسلمين، وبعض الذين رأيت أنهم يستحقون المعايدة والتهنئة، ولكن لإيماني بأنه لا يجب أن تمر ذكرى للنكسة دون أن التحدث عنها، واسترجاع بعض من دروسها، فاسمحوا لي أن أستلهم من ظروف النكسة ما يستحق التركيز عليه.

قادة الطيران الذين انصب عليهم جام غضب الشعب المصري بعدما تكشف هول المصيبة، وبعد أن كان الأوان فاتهم بالإطاحة بأكبر وأعتى ديكتاتور في تاريخ مصر بمظاهرات ارجع يا ناصر، والرغبة المنظمة لإثنائه عن التنحي المزعوم، وفي فبراير من عام 1968 صدرت أحكام القضاء ضد قادة الطيران المصري، ولم تكن لترضي الشعب المصري، فثار وسب وشتم ناصر وأبناءه علناً وجهراً، فقد كانوا قد عرفوا الخسائر وتكشف الخيط الأبيض من الأسود، ناصر لم يستطع عمل شيء يذكر سوى أنه أصدر في مارس من نفس العام الميثاق كحركة لاستيعاب الجموع الهادرة الغير منظمة من أي جهة ما من جهات الدولة.
 
شعر ناصر بأنه يفقد شعبيته، ربما استوعب الدرس متأخراً جداً، أن تلك الدعاية التي ينظمها بأجهزته لم تجدي نفعاً، وأدرك أن استيلاءه على كل منافذ الإعلام المقروء والمسموع والمرئي لم تنفعه قط، تكشف أنه لا سبيل إلا من خلال إصلاح جاد صحيح، أن اكتشافه هذا لم يجديه نفعاً لأنه كان متورط في حرب حقيقية حرب استنزاف تنشب مخالبها وأنيابها في رقبته، وتنهش من طاقته كما أن المنطقة كلها كانت تغلي، غير أنه كان قد خضع لكل الحكام العرب الذين دأب على شتيمتهم والهجوم عليهم، وتأليب شعوبهم عليهم بعد أن مولوه بالمال الذي خسره بوقف الملاحة في القناة، ولدعم المجهود الحربي، كما أنه خسر الكثير من أسلحته المكلفة لأعباء كثيرة اقتصادية على كاهل الدين العام الذي تسببت مشاريعه الفاشلة الغير مدروسة في تناميه وتزايده بل وتعاظمه فلم تؤتي بعض المشروعات ثمارها مثل مشروعي انتاج الطائرة والصاروخ. 
 
سقط المشروع الناصري، وكان لسقوطه دوياً هائلاً في المنطقة، هدر الشعب المصري قائلاً "يا خالد قول لأبوك مصر مش عزبة أبوك" ومن حينها لم تعد مصر عزبة ولا ضيعة لحاكم، فثاروا بعدها بتسع سنوات على السادات، وبعدها بتسع أخرى ثار الأمن المركزي على مبارك ثم عادوا ليفعلوها في يناير من 2011 ثم يونيو 2013 ليقضي على حكم الإخوان، والحكم الأخطر على مصر ليعطي درس لكل من تسول له نفسه أن يحاول هدم البلاد بادعاء المشاريع وشراء القوة والاهتمام بمؤسسة أو مؤسسات على حساب الشعب، أن الشعب قادر أن يزيله من مكانه ويمحيه من سجل التاريخ.
 
المختصر المفيد استوعبوا التاريخ ففيه عبر.