فى مثل هذا اليوم 21يونيو1942م..
الجنرال إرفين رومل يهاجم القوات البريطانية في طبرق بليبيا، وانتهى هذا الهجوم بالانتصار عليهم، واستسلام أكثر من ثلاثين ألف جندي للقوات الألمانية.

معركة عين الغزالة في طبرق تشير إلى سلسة من العمليات الحربية حدثت في برقة، ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية ما بين 26 مايو و21 يونيو سنة 1942، ما بين قوات المحور، والجيش الثامن البريطاني، وانتهت بانتصار المحور، واستيلائهم على مدينة طبرق.

الخلفية التاريخية:
في 18 نوفمبر 1941 بدأت القوات البريطانية (تحت اسم الجيش الثامن البريطاني) هجومها على قوات المحور على الحدود الليبية المصرية تحت اسم عملية الصليبي، وأسفرت هذه العملية بعد سلسلة معقدة من المعارك إلى إخراج قوات المحور من برقة والوصول إلى مرسى البريقة في 6 يناير 1942.

أما بالنسبة لرومل الذي قرر أن التراجع هو القرار الصحيح في الوقت الحالي، فكان يتلقى تعزيزات من القيادتين الألمانية والإيطالية، ففي 15 يناير استلم 54 دبابة، و20 عربة، كما تم تحويل أسطول جوي من الجبهة الروسية وضع تحت قيادة ألبرت كسلرنغ قائد القوات الألمانية في جبهة البحر المتوسط، وقامت القوات الجوية للمحور بضرب جزيرة مالطة التي كانت تهدد قوافل التموين التي تذهب إلى رومل في أفريقيا.

في 21 يناير 1942 بدأ رومل هجومه الذي كان مفاجئاً للبريطانيين، لذلك اتخذ القائد البريطاني نيل ريتشي قائد الجيش الثامن قراراً بالانسحاب، واستمر تقدم حتى 3 فبراير عندما وصل إلى خليج البمبة، ثم استولى على التميمي و المخيلي، وتوقف رومل في مواقعه الجديدة أكثر من ثلاثة أشهر كان ينظم فيها خطوط إمدادته .

في سبتمبر 1941، كانت المخابرات الإيطالية قد اقتحمت السفارة الأمريكية في روما (ولم تكن الولايات المتحدة قد دخلت الحرب ضد دول المحور) وسرقت منها الشفرة السرية التي يتم التخاطب بها بين الملحق العسكري الأمريكي في القاهرة، وبين الحكومة الأمريكية، وكان مما يتضمنه هذا التخاطب النوايا العسكرية للبريطانيين، وبإعطاء المخابرات الإيطالية هذه الهدية الغالية لرومل، ظل مطلعاً على نوايا البريطانيين حتى يونيو 1942، عندما خمن الحلفاء أن الألمان اخترقوا هذه الشفرة فقاموا بتغييرها. وقبل ذلك (في مايو) كان رومل يلاحظ القوة المتزايدة للجيش الثامن، كما كان على علم بمحاولة القائد ريتشي للهجوم عليه، فكان لابد له من أن يبادر بالهجوم رغم صعوبات الإمداد عنده.

ميزان القوى:
بالنسبة للجنود كان هناك شيء من التعادل (100,000 للجيش الثامن، و 90,000 للمحور)، لكن البريطانيين يتفوقون في الدبابات (489 دبابة مقابل 560 للمحور).
لكن في المقابل كانت قوات المحور تتفوق في عدد الطائرات حيث يمتلكون 704 طائرة (497 في الخدمة) مقابل 320 للبريطانيين (190 في الخدمة).

الخطة:
كانت خطة رومل أن يقوم القائد الألماني لودفيغ كروفيل Cruewell بهجوم تضليلي على عين الغزالة بقوات أغلبها إيطالية، في حين يقوم الفيلق الأفريقي مع فرقة أريتي الإيطالية بالتفافة حول الجنوب.

أما الجيش الثامن فكان محتمياً خلف خط من الألغام يمتد من الغزالة على البحر إلى بير حكيم إلى الجنوب لمسافة 69 كم تقريباً.

بدء المعركة:
بدأ كروفيل هجومه في الثانية بعد ظهر يوم 26 مايو، وفي التاسعة من ليلة نفس اليوم تحركت قوات رومل إلى الجنوب حسب الخطة المتبعة، لكنها واجهت مقاومة عنيفة، خصوصاً في حامية بير حكيم التي تحميها القوات الفرنسية الحرة (جنودها فرنسيون، وجزائريون، ومغاربة، ومن مستعمرات أفريقية أخرى). أما كروفيل فقد سقط أسيراً يوم 29 مايو.

كانت القوات البريطانية تقاتل في منطقة سمتها المرجل Cauldron وهي تقع ما بين غوط الأوالب وسيدي مفتاح (ما بين الغزالة وبير حكيم)، وسقطت غوط الأوالب في يد قوات المحور في 1 يونيو.

في 2 يونيو شنت القوات الإيطالية بدعم جوي ألماني هجوماً عنيفاً على بير حكيم، واستمرت مقاومة الحامية ببسالة حتى ليلة 10 يونيو حيث انسحبت عبر خطوط قوات المحور، وفي اليوم التالي تم الاستيلاء على بير حكيم.

تفوق المحور:
ما بين 11 إلى 13 يونيو اشتبكت الدبابات في معركة عنيفة نتج عنها تفوق قوات رومل، إذ خسر البريطانيون 120 دبابة في يوم 12 يونيو فقط.
في 16 يونيو تلقى ريتشي إذنا من قيادة كلود أوكنلك في القاهرة بالسماح لترك طبرق تواجه الحصار، وبدأت القوات البريطانية الانسحاب نحو الشرق، وفي يوم 17 يونيو لم يكن أمام القائد البريطاني نوري Norrie (قائد الفيلق الثلاثين) خيار سوى الانسحاب من كمبوت (32 شرق طبرق).

سقوط طبرق:
في 18 يونيو بينما كانت القوات البريطانية تنسحب شرقاً أكمل الألمان عزل طبرق وهي جيبٌ شاسعٌ مركزه ميناء طبرق محميٌّ بخطوطٍ دفاعيةٍ محصّنةٍ جيداً تحيط بالمدينة من الغرب والجنوب والشرق فيما يستند شمالاً إلى ساحل البحر. تألفت حامية طبرق من 35,000 جندي يقودهم القائد كلوبر Klopper مع كمياتٍ كبيرةٍ من الوقود والذخيرة. كان ترجيح الإنجليز أن رومل Rommel سيفشل في احتلالها كما العام الماضي (دام حصار الألمان 241 يوماً مابين 11/ 4 و7/ 12/ 1941 وهو تاريخ قيام اليابان بهجوم بيرل هاربر)، وتبقى جيباً في خاصرته لاستنزافه خلف خطوط الجبهة لاسيما وقد كانوا يمدونها بحراً بكل ما يلزمها.

فضلاً عن أهميتها المعنوية والإعلامية كانت طبرق مهمةً لرومل للاستفادة من مينائها في تقصير خطوط إمداداته من إيطاليا إذا ما أراد غزو مصر (كانت العلمين تبعد عن طبرق أقل من 600 كم، بينما تبعد بنغازي حوالي 1050 كم).

عوّل رومل على المفاجأة، فتظاهر بأن قواته مهتمة بملاحقة فلول الجيش الإنجليزي آمراً إياها بالالتفاف حول أسوار طبرق بأقصى سرعةٍ أمام أعين المدافعين دونما اشتباكٍ معهم أو اهتمامٍ بحصارها ما أعطى الحامية مهلةً ريثما ترتب دفاعاتها (كان تركيز الدفاعات على الجهتين الغربية والجنوبية قبالة الهجوم الألماني). في هذا الوقت أمر رومل دباباته البانزر خفيفة الحركة بالانعطاف نحو طبرق من أقصى الشرق عند التقاء الخطوط الدفاعية بالبحر بمجرد وصولها ثمة حيث لقيت مقاومةً يسيرةً لضعف المدافعين من هذه الجهة.

فجر 20يونيو بعدما أمّن موطئ قدمٍ له خلف الخطوط الدفاعية، وغدا الجيش الثامن بعيداً إلى الشرق شن رومل هجومه الكبير فلم تستطع الحامية الصمود مطولاً واستسلمت مساء 21 يونيو.

استدعي رومل إلى برلين لمقابلة هتلر الذي كافأه بترقيته إلى فيلد مارشال (مشير) مانحاً إياه عصا المارشالية، لكنه -لفرط فعاليته- تمنى لو حصل بدلاً من ذلك على فرقةٍ أخرى.

والحقيقة كان للدعاية النازية تأثيرها الكبير، فقد جعلت من سقوط طبرق ملحمةً كبرى وتمهيداً لانتصار ألمانيا مقابل دعاية الحلفاء في العام السابق بتراجع رومل عن المدينة كفاتحةٍ لهزيمة النازية، وغدا رومل -الذي لم يك نازياً- بطلاً قومياً ورمزاً للألماني الذي يتحدى المجهول ويقهر الصعاب رغم كل الظروف غير المواتية ويحقق أهدافه، وقارنت الدعاية النازية بين طبرق وستالينغراد ملمّحة لسقوطها الوشيك (والذي لم يتحقق أبداً)، فقد درجت دعاية الحلفاء على تصوير أن لهتلر عقبتين كؤودين ستتكسر عليهما طموحاته طبرق في الجنوب وستالينغراد في الشمال.

ما بعد المعركة:
كان سقوط طبرق نصراً كبيرأ لرومل، فهو أولاً حلمه الذي راوده منذ العام الماضي بالاستيلاء على طبرق، كما أن الوقود والذخيرة التي حصل عليها عوضته إلى درجة كبيرة عن النقص في الإمدادات، مما سمح له بالتقدم حتى قرية العلمين في مصر.

لكن هذا الانتصار كان قصير الأمد مثل انتصار الموحدين في معركة الأرك، و انتصار نابليون بونابرت في معركة أوسترليتز، إذ انتقل زمام المبادرة لدى البريطانيين، ثم شنوا المعركة الحاسمة التي ساهمت في إلحاق الهزيمة بقوات المحور في شمال أفرقيا وهي معركة العلمين الثانية.!!