د.عبدالخالق حسين
يبدو أن ضرب الناقلات النفطية في الخليج صار هدفاً سهلاً  لاتخاذه ذريعة لإشعال الحروب في المنطقة. فقد تعرضت ناقلتان عملاقتان يوم الخميس 13 حزيران الجاري، إلى تفجيرات في مياه بحر عمان، إحداهما (ناقلة نرويجية) أوشكت على الغرق، وتم إنقاذ بحارتها من قبل البحرية الإيرانية، والأخرى يابانية.
 
وقبل ذلك بأسابيع تعرضت أربع سفن راسية في ميناء الفجيرة الإماراتية إلى تفجيرات أيضاً دون إصابات في الأرواح. وقد سارعت أمريكا ومعها بريطانيا، وحلفائهما في المنطقة باتهام إيران. وقد نشرت الإدارة الأمريكية صور فيديو تقول إنها دليل على أن إيران نفذت الهجوم على هاتين الناقلتين في خليج عمان. إلا إن هذا الفيديو ليس فيه مصداقية، خاصة وأنه يذِّكر بفيديو كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في مجلس الأمن الدولي قبيل قيام أمريكا بإسقاط حكومة صدام حسين، عرض فيه لقطات "تبرهن" وجود سلاح الدمار الشامل، وتبين فيما بعد زيف هذه المزاعم.
 
والجدير بالذكر أن شركة «كوكوكا سانجيو» اليابانية، مالكة الناقلة «كوكوكا كاريدغس» المتضررة، ذكرت أن جسمين طائرين ألحقا أضراراً بالناقلة، وليس لغماً كما أفاد الفيديو الأمريكي.(1)
 
والملاحظ أنه حتى بعض المعلقين في مواقع التواصل الاجتماعي يميلون إلى لوم إيران بقولهم أنه من مصلحة ايران ان تبين بأنها لن تسمح بأن تكون الخاسر الوحيد للعقوبات الأمريكية، خاصة وأنها، أي (إيران) قد حذرت مراراً بأن الآخرين أيضاً سوف يدفعون الثمن فيما اذا خسرت اسواقها النفطية، وأن الهجوم على الناقلات تبين بوضوح قدرة ايران على ايذاء امريكا وحلفائها اذا كانت هي الجهة المسؤولة عنها.
 
قد يبدو هذا الكلام وجيهاً، ولكن لو تتبعنا تاريخ الحكومة الإيرانية في تعاملها مع خصومها بمنتهى الحصافة في مثل هذه الحالات، وحرصها على عدم منحهم ذريعة ضدها، لذلك لا نميل إلى التفسير أعلاه. 
 
فبمناقشة موضوعية لا نعتقد أن القيادة الإيرانية من الغباء إلى هذا الحد بحيث تقوم بهذه الحماقة والمجازفة لتتخذها أمريكا وحلفائها في المنطقة ذريعة لشن حرب ماحقة عليها. فإيران ستكون الخاسر الأكبر من الحرب إذ كما هدد الرئيس الأمريكي ترامب بما معناه أن الحرب على إيران ستحيلها إلى خرائب وأنقاض. 
 
وسبب آخر يبعد الشبهة عن تورط إيران، وهو كما أشرنا أعلاه، أن إحدى الباخرتين اللتين تعرضتا للتفجيرات كانت يابانية، وجاء توقيت تفجيرهما مع زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران في وساطة دبلوماسية حكيمة منه لتخفيف التوتر بين إيران وأمريكا، وإنقاذ المنطقة من حرب مدمرة محتملة.
 
لذلك فليس من الحكمة أن تقوم إيران بهذه الفعلة وهي تستضيف الرئيس الياباني الذي جاء لمهمة هي في صالحها. فمن مصلحة إيران تفادي الحرب بأي ثمن، وليس من مصلحتها تصعيد التوتر لمنح أمريكا ذريعة لشن الحرب ماحقة عليها.
 
إذن من هم وراء هذه التفجيرت؟
الجواب: ابحث عن المستفيدين من شن الحرب على إيران، وهم كثرُ.
 
المستفيد الأول هو إسرائيل بسبب مواقف إيران المتشددة ضد التطبيع، وخوفها من امتلاك إيران السلاح النووي، والثاني هو السعودية ودولة الإمارات، وما عرف عن تهور حاكميهما (محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، اللذين يرمز لهما في الإعلام الغربي بـ MBS  و MBZ على التوالي)، والثالث مصانع الأسلحة والمؤسسات العسكرية في أمريكا. فقد صرح الرئيس الأمريكي ترامب قبل أيام أنه يتعرض إلى ضغوط من قبل هذه الجهات لشن حرب على إيران، ولأسباب معروفة. يرجى فتح رابط الفيديو في الهامش(2).
 
لذلك ليس مستبعداً أن تقوم هذه الجهات بضرب الناقلات النفطية، وخاصة العملاقة منها لدفع ترامب لشن الحرب على إيران.
 
إلا إن هناك أصوات عقلانية من قيادات سياسية، ومعلقين سياسيين في الغرب تستبعد قيام إيران بهذه التفجيرات، ومن بين هؤلاء زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين الذي قال أن على بريطانيا عدم الإنسياق وراء أمريكا في اتهام إيران بدون دليل.
 
جاء ذلك في رده على وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، الذي قال إن العلاقات بين إيران الولايات المتحدة "في موقف خطير جدا"، بعدما نشرت واشنطن فيديو تقول إنه دليل على أن إيران نفذت الهجوم على ناقلتي نفط أمس في خليج عمان(3).
 
كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنه يجب العمل على إظهار الحقيقة بوضوح، ودعا إلى إجراء تحقيق مستقل في الحادث. و حذرت روسيا من التسرع في إصدار الأحكام والاستنتاجات.
 
كذلك دعا الاتحاد الأوربي إلى "أعلى درجات ضبط النفس" وسط التوتر السائد بشأن اتهام الولايات المتحدة لإيران بالهجوم على الناقلتين. وقال المتحدث باسم الاتحاد: "نحن بصدد جمع المعلومات من أجل تقييم الوضع. وسبق أن قلنا مرارا إن المنطقة ليست في حاجة إلى المزيد من التصعيد. ولا إلى المزيد من التوتر. ولذلك فإننا ندعو إلى أعلى درجات ضبط النفس".
 
وبناءً على كل ما سيق ، نعتقد أنه ليس من مصلحة إيران ضرب الناقلات النفطية لتقدم مبرراً على طبق من ذهب لأمريكا لشن حرب مدمرة عليها، لا تبقي ولا تذر، خاصة وقد نفى وزير خارجية إيران السيد محمد جواد ظريف نفياً قاطعا.
 
وهناك مقالات عديدة لكتاب غربيين تؤكد عدم توافر الأدلة على قدرة إيران في ضرب الناقلات، نذكر روابط ثلاث مقالات من بينها نيويورك تايمس في الهامش على سبيل المثال لا الحصر.(4، 5، 6)
 
كما تعرف أمريكا جيداً، أنه إذا ما شنت حرباً على إيران، فإن هذه الحرب ستشعل المنطقة كلها، وستتضرر المصالح الأمريكية وحلفائها ضرراً بالغاً، إذ ليس لإيران في هذه الحالة إلا وأن تعمل بمبدأ (عليَّ وعلى أعدائي يا رب)، وقد حذرت بذلك مسبقاً. 

موقف العراق من هذه المحرقة المحتملة
وبهذه المناسبة، من المفيد توجيه تحذير إلى الحكومة العراقية أنه ليس من مصلحة العراق أن ينجر إلى هذا الطرف أو ذاك في هذه اللعبة الخطيرة القذرة، فالعراق دفع ثمناً باهظاً طوال حكم البعث الفاشي وحروبه العبثية، الداخلية والخارجية، التي أهلكت الحرث والنسل، ومازال يئن من عواقبها الوخيمة، خاصة وهناك دعوات لا مسؤولة من قبل جهات عراقية فاعلة تميل إلى إيران، تدعو المليشيات الشيعية بضرب القوات الأمريكية المتواجدة في العراق.
 
وإذا حصل ذلك لا سمح الله، فإنها كارثة على العراق وشعبه الجريح.