بقلم :د. مينا ملاك عازر
 
تابعت منبهراً الحوار الذي أجرته الإعلامية فجر السعيد مع الرئيس مبارك، وفي ظني أنني أمام أحد خيارين لا ثالث لهم، إما أننا بصدد تسريب لمذكرات للرئيس مبارك قد تنشر في ما يأتي من الوقت، وهو أمر محمود وننتظره بشغف وباحترام، كما أنها فكرة مميزة لتسريب المذكرات بشكل شرعي لترويجها أيضاً، ولفتح شهيتنا على وجبة سياسية ولعلها إنسانية دسمة لأبعد الحدود، والخيار الثاني أننا أمام عقلية سياسية مبهرة وذاكرة حديدية يستحق التوقف أمامها وتحيتها وإجلالها. 
 
تختلف وأختلف مع الرئيس مبارك، لك كل الحق، فقد أخطأ وأصاب، شأنه شأن كل إنسان معتدل التصرفات قد أكون مقتنع أن لمبارك خطايا على الصعيد الداخلي وهي جملة لم أقلها الآن لأول مرة لكنها تكررت كثيراً من قبل على سطور مقالاتي، لكن ما لا أشك فيه لحظة أنه بارع في سياسته الخارجية، وقارئ مميز لمجرياتها ليس كما ادعى بعض المدعي العلم والفهم والثقافة أنه لا يحب القراءة، ولا يتابع، حتى أنه قال في حوار أنه قرأ كتاب الملاك المكتوب عن أشرف مروان والذي قُدم فيلماً في السينما، أي أنه لا يكتفي بقراءة الصحف مثلاً أو الملفات، بل كتب برغم سنه هذا، قد يكون هذا لتفرغه الآن لكن لعله كان يقترب من هذا المستوى من قبل وقت أن كان رئيساً، ففي مثل هذا السن الطباع لا تتغير بسهولة بل لا تتغير مطلقاً.
 
اسمحوا لي أن أشير لبعض النقاط المبهرة في الحوار غير ذاكرته الحديدية التي تذكر أحداث وحوادث بدقة بالساعة والدقيقة تتناسب مع دقة رجل عسكري بل وطيار، والأهم أنه سياسي أخذت منه السياسة وأعطته وأكسبته الحنكة حتى في هروبه من الإجابات، وتفويته للأسئلة، وهربه من تقييم زعماء في المنطقة حاليين بشكل مبهر وبارع يتناسب مع ذكاء إنساني وسياسي أقدره فيه منذ زمن بعيد.
 
لعلك توقفت صديقي القارئ وراء رغبة مبارك لإعادة مصر للصف العربي بعد خروجها منه على إثر مبادرة الرئيس السادات، لكنه برغم رغبته الحميمة هذه لم يفعل هذا سريعاً بل بخطوات هادئة، كان أقواها بعد سنوات من توليه الحكم بزيارته للعراق والإمارات والسعودية في وقت لا تربطه بهذه البلاد أي علاقات دبلوماسية، بل العلاقات منقطعة، يلفت نظري مساندته للعراق في حربها مع إيران بشكل ذكي لم يكلف فيها خزينة البلاد الكثير، فهو على علم بقدرات بلاده الاقتصادية فأبرز ما قاله في هذا الصدد أنه ذهب ليحضر في غرفة العمليات مع قادة العراق ورئيسهم صدام حسين.
 
اسمح لي صديقي القارئ أتوقف عند تلك الملحوظات لأستأنف الحديث معك عنها المقال القادم إن عشنا وكان لنا نشر.
 
المختصر المفيد الدهن في العتاقي، والعقل في المتعلمين.