بروفيسور نادر نور الدين محمد *
تقع المنطقة العربية في أشد مناطق العالم جفافاً وأعلاها حرارة؛ حيث تضمها جميعاً المناطق قاسية الجفاف والجافة وشبه الجافة والقليل منها في المناطق شبه الرطبة. والجفاف هو علاقة بين ما يسقط من أمطار على أي منطقة وما يتبخر منها، سواء من ترب زراعية أو نباتات أو مياه. تصنف المنطقة بأنها قاسية الجفاف إذا زاد ما يتبخر منها على 50 ضعفاً لما يسقط عليها من إمطار، بينما تكون جافة إذا تراوح البخر بين 50 و5 أضعاف الأمطار، ونصف الجافة عندما يتراوح البخر من خمسة أضعاف إلى ضعفي الأمطار.

هذا الجفاف هو علاقة فقط بين الأمطار والبخر ولكنه لا يعني عدم وجود مصادر أخرى للمياه، مثل أن تكون المنطقة قاسية الجفاف أو جافة لكن لديها مصادر أخرى من المياه، مثل أنهار جارية في مصر وشمالي السودان والصومال والعراق، أو تحتوي على مياه جوفية كما في أغلب دول الخليج وشمالي إفريقيا بالإضافة إلى تحلية مياه البحار وبعض الموارد المستحدثة الأخرى. لذلك فالمناطق الجافة وقاسية الجفاف ومنها تلك التي يقع فيها جميع الدول العربية ليست مناطق خاملة ولكنها تنتج نحو 40% من الإنتاج الزراعي في العالم (غذاء وأعلاف وكساء «القطن والكتان والتيل»، ومواد صيدلانية وعطرية وطبية). (كتاب تغيرات المناخ والأمن الغذائي العربي- كتاب الخليج 2010 لكاتب المقال).

حددت منظمة الأمم المتحدة للمياه UN Water منذ تسعينات القرن الماضي، الحد الأدنى لاحتياجات الفرد من المياه ليعيش حياة كريمة بألاّ يقل ما يتوافر له من المياه في كافة المجالات من غذاء وشرب وصناعة واحتياجات منزلية ومحليات وحفاظاً على البيئة عن 1000- 1700 م3/سنة، واعتبرت أن هذا الحد هو حد الفقر أو الندرة المائية (متوسط نصيب الفرد عالمياً من المياه 6500 م3 سنوياً، فاو 2009 عن الموارد المائية العالمية).

وأوضحت المنظمة أنه إذا انخفض ما يتاح للفرد من المياه سنوياً إلى ما بين 500- 1000م3 سنوياً، يكون قد دخل في منطقة شح المياه المزمن، بينما يصل إلى منطقة الشح المطلق إذا ما قل نصيبه من المياه سنوياً عن 500م3 (يشرب الإنسان 4 لترات يومياً ويأكل 5000 لتر يومياً على صورة أغذية، ويحتاج ما بين 200-450 لتراً في منزله).

وفي التقرير الثالث للمجلس العربي للمياه، الصادر عام 2015، أوضح أن إجمالي موارد المياه التقليدية في المنطقة العربية يبلغ نحو 710 مليارات متر مكعب سنوياً لعدد سكان يقترب من 400 مليون نسمة بمتوسط عام لنصيب الفرد 1775م3، منها نحو 443 ملياراً من مياه الأمطار التي يستفاد منها فعلياً (كميات أخرى تسقط على مناطق غير مأهولة بالسكان وصحراوية)، بالإضافة إلى 267 ملياراً من المياه السطحية الجارية والجوفية. يستهلك القطاع الزراعي نحو 81% من إجمالي المياه العربية السطحية والجوفية، بينما لا يزيد استهلاك القطاع المنزلي والمحليات عن 14% ولا تستهلك الصناعة إلاّ نحو 5% فقط من مياه المنطقة العربية، «وينبغي لدول الفقر المائي أن تتجه للصناعة عالية العائد من المياه وتكتفي بالزراعة القائمة عالية الاستهلاك للمياه». وأشار نفس التقرير لعام 2015 إلى أن 86% من سكان المنطقة العربية يتمتعون بمياه الشرب النقية، ونحو 76% يتمتعون بخدمات الصرف الصحي في منازلهم وأن هناك نحو 63 مليون عربي محرومون من مياه الشرب النقية الصحية، بينما هناك 79 مليوناً لا تصل خدمات الصرف الصحي إلى منازلهم (تقرير المجلس العربي للمياه لعام 2015 النسخة الإنجليزية صفحة 32 الملخص).

والجدير بالذكر أن تقرير وزارة البيئة في مصر عام 2009 أشار إلى أن هناك 30 مليوناً فقط في مصر يتمتعون بخدمات الصرف الصحي ونحو 60 مليوناً وقتها لا يتمتعون به، وبالتالي لا يعقل أن تكون باقي الدول العربية الاثنتين والعشرين لا يتجاوز المحرومون بها من الصرف الصحي 19 مليون مواطن).

وفي الأسبوع الأخير من شهر مايو 2019 أعلن المجلس العربي للمياه عن صدور التقرير الجديد للمياه في المنطقة العربية في مؤتمر صحفي كبير، على لسان رئيس المجلس ونوابه وخبرائه، والذي أعلن أرقاماً جاءت مطابقة لأرقام تقرير 2015 دون أدنى تغيير، رغم الفارق الزمني بين التقريرين والزيادة السكانية التي حدثت خلال السنوات الأربع بين التقريرين. فقد أعلن رئيس المجلس العربي للمياه أن هناك 63 مليون عربي ما زالوا محرومين من مياه الشرب النقية بالإضافة إلى 79 مليوناً آخرين محرومين من التمتع بخدمات الصرف الصحي، وهي نفس أرقام التقرير السابق لعام 2015!

وأعلن رئيس المجلس العربي للمياه ونوابه في مؤتمرهم الصحفي في 23 مايو (أيار) 2019 أن إجمالي المياه المحلاة في المنطقة العربية بلغت 7 مليارات م3، بينما أشار التقرير الأمريكي لمراقبة المياه المحلاة في العالم، إلى أن المملكة العربية السعودية تنتج وحدها نحو 6.5 مليار متر مكعب من المياه المحلاة وتليها دولة الإمارات العربية المتحدة بنحو 5 مليارات م3 سنوياً، ودولة الكويت بنحو ملياري، وليبيا وقطر بنحو مليار لكل منهما، والجزائر والعراق والبحرين بنحو نصف مليار م3 سنوياً، بالإضافة إلى كميات أقل في مصر وبالتالي فإن كمية المحلاة في المنطقة العربية طبقاً للتقارير الدولية (Food& Water Watch 2009 -Cooley H, Gleick P, Wolff G (2006) Desalination لا تقل عن 16- 17 مليار متر مكعب سنوياً ومنذ عام 2009، وبالتالي فإن الرقم المعلن من مجلس المياه العربي لعام 2019 يحتاج إلى مراجعة.

وأشار رئيس المجلس العربي للمياه ونوابه في الإعلان عن التقرير الحديث للمياه في المنطقة العربية إلى أن الفواقد المائية من شبكة مياه الشرب في المنطقة العربية تصل إلى حوالي 5.7 مليار متر مكعب في العام نتيجة لتهالك الشبكات، بينما أشار التقرير المصري للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الصادر في إبريل عام 2018 إلى أن فاقد مياه الشرب في مصر وحدها بلغ 3.3 مليار متر مكعب سنوياً بما يعني أن الرقم الخاص بإجمالي 22 دولة عربية والبالغ 5.7 مليار متر مكعب يحتاج إلى المراجعة.

وفي الخاتمة، فإن دولة الكويت هي الأقل في نصيب حصة الفرد من المياه بنحو 10م3 في السنة بينما تأتي موريتانيا في المقدمة بنصيب 4000م3 في السنة ومعها العراق وجزر القمر ولبنان والسودان قبل التقسيم، كدول فوق حد الفقر المائي، بينما سوريا والمغرب على حدود الشح المائي (FAO Stat 2017).

* أستاذ الأراضي والمياه - كلية الزراعة جامعة القاهرة