اصدار رهبان دير الباراقليط – الجبل المقدس أثوس –اليونان
نقلها الى اللغة العربية الأب أثناسيوس حنين –مطرانية بيرية
الحلقة الأولى (1)

تمهيد

القيامة'>جسد القيامة أو الجسد القائم ’ حسب الذهبى الفم يوحنا ’ سوف يكون ’ فى القيامة ’ " هو نفسه وليس هو نفسه " فى علاقته بالجسد المنحل والذى تم وضعه فى القبر لحظة الوفاة. هذا معناه أن الجسد الذى سيقوم لن يكون بأى حال خليقة جديدة تماما لا علاقة لها مع الجسد الذى وضع فى القبر. يوجد بين الجسدان ’ الجسد الذى تم دفنه والجسد الذى سيقوم تطابق فى الجوهر والأصل ’وفارق فى المنتهى والسعى والمصير .

يشرح اللاهوتى الذهبى الفم فى عظته الاربعين على رسالة الرسول بولس الاولى الى الكورنثيين ويرى أن الذى يخرج من الحبة الحنطة يخرج منها زرعا والقمح يأتى من جوهر الحبة ولكنه ليس الحبة لأن الثمر هو أفضل من الحبة وأكثر وفرة ’ هكذا فى القيامة لن يكون هناك جوهر انسانى تم وضعه فى القبر ’ وأخر يقوم ’ بل أن جوهر الجسد المدفون سيصير أكثر نضوجا وبريقا وتجليا .

يؤكد ترتليانوس بأن وحتى فى أى مكان يتحلل الانسان بعد الموت ’ ومهما كانت المادة التى تحللت ومهما كان العدم الذى سيذوقه الجسد ’ فأن كل هذا سيتجدد فى القيامة .

يعلم القديس كيرلس الاورشليمى فى عظته للموعوظين (17) قائلا:" سوف نقوم وسوف نملك جميعنا أجسادا أبدية ’ ولكنها أ ى الاجساد سوف لا تكون نفس الاجساد لكل الناس ’. فلو أن أحدنا عاش صديقا وبارا فسوف يحصل على جسد سماوى لكى ما يقدر على أن يواكب ويصاحب ويحيا فى معية وشركة الملائكة ’ بينما لو أن أحدنا خاطئ مع سبق الاصرار والترصد ’ سوف يحصل على جسد يتلقى العقاب أبديا بسبب خطاياه ’ ومع أنه سوف يكتوى بالنار الابدية ’ فأنه حتى ولو تمنى لن يختفى أبدا ولن ينحل أبديا.

لقد وزع الله بعدل كبير وقسم لكل شريحة من البشر مصيرها ’ حسب الاختيار الانسانى الحر بالطبع ’ ’ الابرار منهم والاشرار ’ العادلون والظالمون ’ المبدعون والفاشلون .لأننا لم نفعل شيئا فى دنيانا الا وكان جسدنا شريكا فى العمل ’ ان كفرنا أوجدفنا ’ فبفمنا كفرنا وباللسان جدفنا ’ واذا ما صلينا ’ فبالجسد نصلى ’ واذا ما زنينا ’ فالجسد يقوم بالمهمة ’ واذا ما سلكنا فى حياة العفة والتجرد واللباقة والشياكة ’ ففى الجسد وبالجسد ومع نسلك ! نحن نمسك الأشياء بأيدينا ونقدم الاحسان بأيادينا ’ كما نفعل معظم أعمالنا بأدينا . وما دام الجسد قد شارك فى كل أعمالنا وقدم خدماته لنا ’ لهذا لابد من أن ينال هذا الجسد نصيبه فى التمتع بالخيرات الأبدية أو الخيبات الأبدية !".

نجد نفس المعنى فى الفصل الخامس من قوانين الرسل :" سوف يٌقيمنا الله الكلى القدرة فى سيدنا يسوع المسيح يسوع ’ وذلك حسب وعده الصادق والذى لا يعتريه كذب أو تغيير ’ سوف يقيمنا مع كل الناس الباقيين والذى رقدوا ’ بنفس الطريقة ’ عبر السنين ’ سوف يقيمنا بنفس الشكل الذى نحن عليه الأن ’ ولكن بلا أى شئ فاسد لأننا سوف نقوم بلا فساد ! وبغض النظر عن الطريقة التى متنا بها سواء غرقا فى المحيط(وسيلة النقل الوحيدة المتاحة قديما) أو انتشرت أشلائنا فى الأرض كلها (التوهان فى البرارى والصحارى) أو لو أكلتنا الوحوش(زمن الاضطهادات) ’ سوف يقيمنا الله بقوته وذلك لأن العالم والخليقة والارض وما عليها ممسوكة فى يد الله وهو الذى يقول " .... ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك ..."(لو 21 ’ 18).

القديس أغريغوريوس النيصصى ’ فى الفصل 27 من مؤلفه (حول تكوين الانسان ) ’ يرى ويقبل بأنه وبعد القيامة ’ سيحدث نوع من التحول ’ حتى لا يبقى فى الجسد أى ثقل أو كثافة لحم ودم ’ بل سوف يتحول نفس الجسد الى حالة أكثر ألوهة ولنقرأ نص اللاهوتى الكبادوكى سليل البيت اللاهوتى :" اذا كانت النفس مرتبطة بعلاقة طبيعية كلها مودات وحنان بالجسد ’ الذى كان شريكها فى السكن الواحد ومشوار الحياة الواحد ’ ومن هنا نشأت بين النفس وبين جسدها علاقة سرية ومعرفة بما عاشاه معا وما مارساه معا ’ حسب ما أعطتهما الطبيعة الانسانية ’ ومع ذلك فالشركة بينهما هى بلا اختلاط ’ ومتمايزة ’( من هنا ستأتى لاحقا الحديث الخرستولوجية ’ أى اتحاد المسيح بالانسان وضرورة ان يكون المسيح انسان كامل فى كل شئ و ذو طبيعتان ومشيئتنان ) نقول ما دامت النفس تشتاق وتنجذب الى جسدها الخاص ’ هل سيصعب على القوة الألهية حينما تقرر أن تجمع العناصر المشتركة معا والتى ستسرع الى شركائها والى بيتها بفعل سر الطبيعة الجاذب ".

أما عن التحول الذى سوف يجوز فيه الجسد بعد القيامة ’ فقد كلمنا عنه السيد نفسه حينما قال "لأنهم فى القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونوا كملائكة الله " متى 22 ’ 30 . "اذ لا يستطيعون أن يموتوا ايضا لانهم مثل الملائكة وهم أبناء الله اذ هم أبناء القيامة " لوقا 20 ’ 36 .

سوف يبطل وينتهى ’ بناء على ما سبق ’ التفريق بين الجنس البشرى الى ذكر وأنثى ’ وذلك فى القيامة'>جسد القيامة ’ وسوف يعيش الناس كملائكة أى بلا أوجاع وبلا شهوات وبلا احقاد وباستقامة تامة وفرح دائم . وفوق ذلك كله فأن الله ’ وحسب بولس الالهى ’ سوف يبطل المعدة والأكل وتوابعهما من الزلالزل !.

الجدير بالذكر ’ فى هذا السياق’ هو دخول السيد المسيح الى العلية حيث كان التلاميذ ملتئمون فى اجتماع مغلق والأبواب محكمة الغلق " بسبب الخوف من اليهود " . لقد أراهم الرب يديه وجنبه لكى ما يروا بأم رؤوسهم أثار الجروحات ولكى ما يقتنعوا بأنه هو نفسه معلمهم المصلوب ! ولم يكتفى بالظهور وأظهار اليدين والجنبين بل تقدم خطوة أخرى ’ وسألهم أن كان لديهم ’ من الطعام ’ ما يؤكل لكى يأكل (المسيحية تجسد وتاريخ ورؤية وليست نرفانا وهيولية وغبيوبة عقلية !)! قال هذا لكى يقول لهم " هل لديكم ما أكله ...لكى ما تقتنعوا مرة أخرى بل ويزيد يقينكم بأننى لست روحا محضا ! أما التلاميذ فأعطوه وسط ذهولهم ’ " فناولوه جزء من سمك مشوى وشيئا من شهد عسل ’ فأكل قدامهم " (لوقا 24 ’42 ).

لقد أكل الرب بعد القيامة ! حسب تأكيد الرسول لوقا ’ أكل لكى ما يؤكد بأنه هو هو وأن هذه هو جسده الذى أعتلى الصليب وقت الألالم . لقد أكل ’ ولكن بشكل يفوق الطبيعة وخصائص المعدة ’ كما هضم ما أكله بشكل يفوق الطبيعة ولا يلغيها .

ان الجسد القائم سوف يتميز عن النفس والتى هى متحده به وتسكن فيه . وأما النفس فسوف تلبس الجسد ولكن كلباس ومسكن سماوى جديد. يصف الرسول بولس مجد الاجساد القائمة أى أجساد المؤمنين معلنا " كما هو الترابى هكذا الترابيون أيضا ’ وكما هو السماوى هكذا السماويون أيضا (1كورنثوس 15 ’48)’ هذا يفسر أن القيامة هى حالة جديدة ووجود جديد لما هو موجود أصلا ولكن بشكل جديد ’ ربما يفسر هذا رؤية الأباء للتوبة على أنها بداية معاينة’ هنا على الأرض ’ لمجد القيامة فى الجسد وسيتضح هذا حينما نتحدث عن قيامة المسيح وقيامتنا أو بمعنى أدق قيامتنا فى قيامة المسيح ’ أى الخرستولوجيا فى العشرين قرن الماضيين وأهمية قرأة المجامع المسكونية السبع وخبرات النساك والرؤى الليتورجية وشهادات القديسين من كل طبقات الناس ).

اذن نخلص من هذا وفى هذه المقدمة - العجالة بأنه اذا كان المناخ الجديد الذى سيدخل اليه البشر بعد القيامة هو بيئة مختلفة تماما بل وغريبة عن بيئة الفساد والكثافة التى يعيشونها على الارض ’ فى هذه العالم الحاضر ! اذن هناك ضرورة بأن تكون الأجساد القائمة فى حالة تسمح لها وتمكنها من الـتأقلم والتعايش بكل كامل مع أجواء وبيئة ومناخ الحالة الجديدة أى حالة القيامة ’ وهذا هو دور الجهاد الروحى ’ هنا والأن ’ والفهم اللاهوتى ’ والحدس الروحى والعافية النفسية فى الجسد النقى والواعى والصحيح واستقامة الايمان وتجسده فى هموم الناس وبعده عن الهيولية والمزاجية . ونترجى من القراء الاصدقاء القياميون ’ أحباء الخطاب اللاهوتى النقى ’ من القرأة المتمعنة لهذه السطور والصلاة لأجل من كتبوها ومن ترجمها ’ حتى نلتقى فى الحلقة القادمة ونحن مستعدون لقبول نعمة فوق نعمة أمين .