يحاول «حزب الكراهية» أن يغرس فى نفوس الشباب أننا فُطرنا على التعصب، وأن إيماننا لا يكتمل إلا بالتفتيش فى عقيدة الآخر، وشق صدور البشر لتحديد موقعهم فى خانة «الإيمان» وفقا لأحكامنا ومقاييسنا والكتالوج الذهنى الذى صممناه بأنفسنا.. ثم نقف فى المرآة ونردد ببلاهة: أنا مؤمن والباقون كفار!.

لكن «ثقافة التسامح» الكامنة بين ضلوعنا تهزم دائما «حزب الكراهية»، ففى الوقت الذى يثار فيه الجدل حول الإجهار بالإفطار سواء للمسلم أو المسيحى فى نهار رمضان.. يضرب القس «فلوباتير رزق»، راعى كنيسة «الملائكة ميخائيل» بالأقصر مثالًا فى المحبة والإخوة، دون أن يتردد لحظة أو يقيس ما قرر أن يفعله بمقاييس التنظيمات المتطرفة التى تضع المسلم والمسيحى كمتناقضين فى العقيدة والتوحيد، وتخطط دائما لإشعال الفتنة والتوتر بين «جسد واحد».. قدر الله أن يولد نصفه وارثًا لديانة أبوين مسيحيين، وأن يولد الآخر وارثًا لديانة والدين مسلمين.. فلم يختر ولم يقرر لكنه دخل دائرة الإيمان بالوراثة.

فحين قررت كنيسة رئيس «الملائكة ميخائيل» بقرية القبلى قمولا بمركز القرنة غرب الأقصر إقامة المبادرة السنوية التى تقيمها الكنيسة من خلال حفل إفطار لإخوانهم المسلمين من القرية والقرى المجاورة لها، قام القس «فلوباتير رزق»، راعى كنيسة «الملائكة ميخائيل» بالأقصر، بتسليم الميكروفون للشيخ «الشاذلى محمد نور»، ليرفع أذان المغرب من داخل الكنيسة.. وفى محيط الكنيسة تم تشغيل آيات من القرآن الكريم بالمكبرات الصوتية، بالتزامن مع استقبال الضيوف بالقاعة.. هذا المشهد يحدث فى قلب صعيد مصر الذى تستهدفه دائما الكيانات المتطرفة والإرهابية.. ليقدم مثالا فى اللُّحمة الوطنية والتجانس التلقائى بين كل أطياف الشعب المصرى.

القس «فلوباتير رزق»، راعى كنيسة «الملائكة ميخائيل» بالأقصر، قال إن حفل الإفطار الذى تقيمه الكنيسة يأتى ضمن المشاركة المجتمعية بين الأقباط والمسلمين، مضيفا أن جو المحبة والألفة بين الأقباط والمسلمين متعارف عليه فى مصر.. وأوضح أنها مبادرة سنوية تقيمها الكنيسة، خاصة أن المسلمين يحتفلون مع الأقباط فى أعيادهم، مشيرًا إلى أنه: (لا أحد يستطيع التمييز بين مسلم أو مسيحى فى القرية لمدى الترابط بينهما).. وهذه الجملة لابد أن نتوقف أمامها طويلا وأن نهدى المشهد بأكمله لمن يحرمون على المسلم طعام أخيه المسيحى بالمخالفة لما ورد بالقرآن الكريم.

لكن اللافت للنظر أن راعى الكنيسة قال إنه «صام» يوم حفل الإفطار أسوة بالمسلمين لمشاركتهم، مشيرا إلى أنه تناول وجبة الإفطار معهم جبنا إلى جنب.. وقد شارك مئات المواطنين من أبناء القرية والقرى والمجاورة، وحضره اللواء «سعد البدرى»، رئيس مركز ومدينة القرنة، و«محمد العزب»، سكرتير عام المجلس، وعدد من القيادات الشعبية والتنفيذية، وأعضاء لجنة المصالحات، وكان فى استقبالهم القمص «مسعود نظير»، راعى دير الأنبا لويس، و«عياد مسعود»، أحد القيادات القبطية، وعدد من خادميها وأقباط القرية الذين شاركوا فى المائدة.. لكنها لم تكن أبدا مبادرة سياسية أو شكلية لأنها تتكرر للعام الرابع على التوالى فى جوٍّ من المودة الحقيقية.. ولأنها لا تتم تحت عدسات المصورين ولا أضواء كاميرات الفضائيات.

إنها مبادرة إنسانية وتلقائية تتم احترامًا وتقديرًا لشعائر المسلمين الدينية.. وتجمع المسلم والمسيحى بصوت الآذان وصورة الزى الكنسى ومعالم الكنيسة التى أصبح المسلم يعرفها جيدا ويحفظ ملامحها.. هذه الصورة للمحبة تتم فى قرية نائية بمركز «القرنة» لتتحول إلى مواجهة إيجابية ومحبة متجسدة ترد على كل أدبيات المتطرفين، وتثبت للجميع أن «الله محبة».. وأن طريق المحبة هو الجسر الوحيد لنعبر إلى بر الأمان بجناحى الأمة.. فالمحبة هى السلاح الفتاك الذى يقطع جذور الإرهاب.. لكننا للأسف لا نستخدم أسلحتنا بوعى أحيانا!.
نقلا عن المصري اليوم