بقلم : جاكلين جرجس
"اللهم يا رب المسلمين والنصارى اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصاراً، واجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين" قالها الوفدى الأشهر و أحد رموز الحركة الوطنية مكرم عبيد باشا و كأنه بهذه المقولة يبسط مفهوم المواطنة و من بعده أجمع أصحاب الرأى على أن الوطن هو الأمان هو الانتماء فالوطن لى ولك نبنيه ونحميه نُعلى من شأنه ، نتشارك فى تفاهم وانسجام ، نتحاجج ونتحاور نختلف فى الرأى أو الأديان لكن يظل الهدف الأسمى هو بنيان الإنسان ؛ أن قيمة المواطنة و حب العطاء قيمة سامية لا يمتلكها إلا كل صاحب قلب نقي و وفي ، لأننا  أصبحنا نعيش فى زمن يغلب فيه المصلحة الشخصية و الأنانية فمن منا يشعر بالآخر فى هذا الزمن الأصعب ... أتشعر معى و كأن البشر يعيشون فى غابة تملؤها الكراهية ، العنف ، التدمير ، والقتل ؛ لكن بالرغم من هذا يوجد بشر يؤمنون أن العطاء يجعلنا نشعر بأدميتنا و إنسانيتنا   ..
 
   فلنسموا بالإنسانية بعدما اغتالتها يد التخلف و الأنانية و الدمار إلى أن هربت الأطفال و الأرامل و الأيتام من الاوطان بحثا عن وطن بديل أو ملجأ للاحتماء فى ظروف قهر و ضعف و بؤس وفقر حرمتهم من حقهم فى العيش و الحياة  أصبحوا مشردين مطرودين ومنبوذين تتهاوى  أجسادهم النحيلة و تنهش فيها الأمراض لم يجدوا من يحنوا عليهم ،يتسولون العطف و الاستجداء على أمل أن يجدوه عند مصور خلف الكاميرات لإعلام هزيل ركيك وأغراض و مصالح شخصية قد تكون بحثا عن شهرة أو أموال فتجد برنامج أو حوار لداعية دينى يحث فيه المؤمنين على قيمة العطاء و المحبة دون استثناء ، لكنه لا يتكبد عناء الذهاب إليهم فبدلاً من أن يكون عوناً و سندا حقيقى لهم نجدهم صورة هلامية هشة لبعض المعنيين بأمور الفقراء على الشاشات و الفضائيات ؛ ليس الهتاف بالشعارات الدينية من خلف مايكروفونات الفضائيات أو تلك الإعلانات الباهظة التكاليف عبر شاشات التليفزيون بكل ما فيها من إذلال و مهانة للفقراء و نفاق و إستجداء للشعب هى الحل الامثل لمن يبحثون عن أوطان بديلة أو وطن داخل وطن حرموا فيه من الحق فى الحياة  .
 
   بل الأمل و طوق النجاة يكمن المشاركة والذهاب إلى بلدان لا قيمة لحياة الإنسان فيها ولا تقيم للفقير وزناً، فيكون عطاء المُرسل في مشاركته الفقير معاناته واقتسام الخبز والثوب والدواء معه، وإكرامه كمخلوق على صورة خالقه، وتقديم يد المساعدة بسخاء دون تمييز لعرق أو دين.
 
   لذلك علينا ألا لنُنكر فضل المؤسسات الخيرية و مؤسسات الدولة المعنية بالإشراف عليها فى عمل الخير و الاهتمام بالاطفال المشردين مثل جمعية رسالة للأعمال الخيرية و دار أيتام جمعية بنت مصر و مؤسسة ساويرس للتنميـة الإجتماعية وغيرهم ، لكن يبقى دورنا كأفراد فى المجتمع .. كيف  نساهم فى إعلان بداية جديدة لأطفالنا المحتاجين ؟ .. ، كيف نستطيع ان نحول فيهم الإنسان من فرد ناقم على الحياة ومليء بالكراهية والحقد لإنسان مبدع ومحب للغير والخير على الرغم من كل ظروفه الصعبة ..؟
 
   ربما يجدى التذكير بمن هم  أفنوا أعمارهم فى العطاء مثل  الام تريزا اللى حصلت على  جائزة نوبل "للعناية بالجائعين والعراة والمشردين والعميان والمنبوذين."، كل هؤلاء البشر التى شملتهم رعاية تلك الإنسانة العظيمة كانوا يشعرون  أنهم غير مرغوب في وجودهم على الأرض  أو محرومون من العناية والمحبة، وهم اللذين  يعتبرهم أفراد المجتمع عبئا عليهم فيتجنبونهم؛ لكن استمرار الأم تريزا  فى إنشأ مئات البيوت في طول الهند وعرضها لرعاية الفقراء ومسح جروحهم وتخفيف آلامهم، مما جعلهم يشعرون بأنهم " محبوبون ومحترمون كباقى البشر "، أصيبت قبل وفاتها بذبحة قلبية والملاريا والتهاب الصدر وماتت سنة 1996 ، لتقدم للإنسانية النموذج الأروع في المحبة والعطاء اللا محدود.. 
 
   أما" الأم ماجى " أو السيدة ماجدة جبران من مصر و التى غيرت مسار حياتها بعد زيارة عابرة قامت بها إلى حي الزبالين في القاهرة، فهالها ما رأت من بؤس يعيشه الناس هناك، يمسّ الأطفال تحديداً، فقررت إنشأ مؤسسة "ستيفن تشيلدرن" الخيرية، التي تقوم رسالتها على المساهمة في إنقاذ الحياة وصنع الأمل وحفظ الكرامة البشرية للأطفال والشباب الفقراء والأقل حظاً، وخلال السنوات الماضية، أصبحت الجمعية جزءاً من المشهد الإنساني الطيب اللافت في مصر، 
 
   هؤلاء و غيرهم هم الوجه المشرق للإنسانية  و المواطنة هما التطبيق العملى الحقيقى والصحيح للأديان ، صناع أمل حقيقيين أحدثوا فرقاً حقيقياً في حياة من هم أحوج للأمل، مؤكدين أن قيمة الإنسان لا تضاهيها أي قيمة أخرى .