د. محمود خليل
يُعد المرحوم «سيد قطب» من أشهر المنظّرين لفكر الإخوان، بل لقد سار بهذا الفكر أشواطاً أبعد بكثير من نقاط البداية التى حدّدها حسن البنا لبداية جماعة الإخوان. فقد تخلّى عما كان يعتمد عليه مؤسس الجماعة من مراوغة وقدرة على إخفاء أهدافه الحقيقية، وهو يحشد قطاعاً من المصريين تحت رايته، وبدا «قطب» أكثر صراحة ومباشرة فى طرح أفكاره المتعلقة بتجهيل المجتمع والدعوة إلى مواجهته ولو بالعنف، لإعمال مبدأ «الحاكمية»، أى تحكيم شرع الله فى دنيا البشر. وتعد أفكار وتنظيرات سيد قطب -التى أنتجها فى الستينات من القرن الماضى- الذخيرة الحية التى تعتمد عليها كل الجماعات الإرهابية فى مصر والعالم.

فى كل الأحوال، تثير قدرة أفكار «سيد قطب» على التدخّل فى صناعة أحداث الواقع المعيش حتى الآن تساؤلاً حول السر فى استمرار فاعليتها؟. وهل يرتبط هذا الاستمرار بقيمة وجدوى هذه الأفكار التى دفع الرجل حياته ثمناً لها أم يتعلق بسياقات معيّنة تكسبها معنى ومغزى رغم عدم دقتها وموضوعيتها؟. وبإمكاننا الإجابة عن هذه الأسئلة بسهولة إذا فهمنا الظروف والملابسات التى أحاطت بسيد قطب عندما شرع فى إنتاج أفكاره التى تتسم بقدر كبير من الشطط فى وصف وتحليل طبيعة الصراع بين الإسلاميين وأنظمة الحكم، وكذلك المجتمعات الإسلامية.

برزت جل هذه الأفكار داخل تفسيره الشهير «فى ظلال القرآن الكريم»، وكتابه «معالم فى الطريق». وكلا الكتابين تم تأليفهما فى السجن (خلال الفترة من 1954 - 1965). وقد اعتمد سيد قطب على منهج فى تفسير آى الذكر الحكيم أطلق عليه «المنهج الحركى»، انطلاقاً من التمييز بين مرحلتين لنزول القرآن الكريم، وهما المرحلة المكية (مرحلة بناء العقيدة) والمرحلة المدنية (مرحلة بناء الدولة)، وبدأ يتتبع الكيفية التى أدار بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كفاحه فى تربية الكتيبة المجاهدة من صحابته، ثم معركته مع الشرك، إلى أن أقام دولة الإسلام فى جزيرة العرب.

وقد ظهر صدى هذا المنهج فى تفسير القرآن الكريم فى الكثير من المفاهيم التى اشتمل عليها كتاب «معالم فى الطريق» الذى تحدث عن ذلك الجيل القرآنى الفريد الذى ربى فى حجر النبوة، ومعاناته فى سبيل الدعوة، وهجرته مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة، ثم كفاحه من أجل محاربة الكفر والشرك، حتى وصل إلى مرحلة إقامة الحكم لله، وتطبيق شرعه. انطلاقاً من أن التشريع هو حق خالص لله تعالى، وليس لبشر أن يخضع لتشريع بشر غيره، حتى لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله. وهذا معنى الحاكمية.

الخطأ الأساسى الذى وقع فيه سيد قطب ارتبط باختزال رسالة الإسلام لتتمحور حول فكرة الانقلاب على سلطة مجتمع وثنى مشرك، وحول خطة فى التغيير استندت إلى مجموعة من المراحل أو الخطوات. فالإسلام جاء كرسالة من أجل الإنسان وليس كمجرد منهج لتغيير السلطة داخل المجتمعات. وفى كل الظروف والأحوال لا يعنى وجود سلطة تدين بدين آخر غير الإسلام داخل مجتمع معين نفى وجود الإسلام ذاته فى نفوس المؤمنين به. ويمكننا أن نخلص من ذلك إلى أن القراءة السياسية لمراحل بناء الإنسان وبناء الدولة فى الإسلام أوقعت سيد قطب فى شرك التبسيط المخل.
نقلا عن الوطن