د. ميا ملاك عازر
تواجه الثورات العربية أزمات، ربما أولها أزمة تشاركت فيها كل الثورات، وهي أن يكون الجيش راضي عن تلك الثورة، فإن لم يكن الأمر هكذا استحالت الثورة لحرب أهلية كتلك التي تعاني منها سوريا واليمن وليبيا، فلا بد من رضا الجيش وقبوله تغيير النظام كما حدث في السودان لكي يغير، لأن الجيش هو الذي بيده السلاح والقوة، ولولا أن بن عوف قبل بالاتفاق مع البشير أو بغيره أن يزيل البشير لما استطاع الشعب، ولو لم يرضا الفريق ركن عبد الفتاح برهاني أن يفعلها ويطيح ببن عوف لما استطاع الشعب، وفي الجزائر هكذا، لولا رضا رجل بوتفليقة رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح لما استطاع الشعب بدليل أن الشعب الآن يحاول أن يطيح ببن صالح رئيس مجلس النواب والمعين لملء الفراغ فلا يستجيب له أحد، والكل يضرب بطلباته عرض الحائط، فلاتفاق كان هكذا، ولن نخرج عنه هذا لسان حال الجيش الجزائري ورئيس أركانه، حتى في تونس لولا أن الجيش وقف على الحياد ولم يدعم زين العابدين بن علي وترك الشعب يثور، لما اضطر للهروب والفرار للسعودية لكي يكون في مأمن من بطش شعبه، في هذا الصدد تتفاوت ردود الأفعال في الجيوش بين جيش مؤيد بدرجة مقبولة للزعيم المراد خلعه فيخلعه بالاتفاق معه وبتكريم له وتأمين له أو لا يؤيد له بدرجة عالية فينكل به، أو جيش يتوافق مع الزعيم حتى للمكان الذي يلجأ إليه فيتركون بوتفليقة ليصل لقطر وبن علي للسعودية وهكذا، فتكون الثورات في مهب الريح وفي قبضة حاملي السلاح القوة من الآخر.
 
واسمح لي عزيزي القارئ، لأن أشرح الأمر من زاوية أخرى تبدو خارجية، تؤكد وتدلل على بعد خارجي، وتثبت أن الثورات العربية تشارك باقي ثورات العالم تلك الأزمة، ففي رومانيا مثلاً حين ثاروا على شاوشيسكو، لو لم يكن الجيش راضي بهذا، لما وجد شاوشيسكو نفسه وحيداً طريداً شريداً ومطارداً من جموع شعبه دون حماية حتى وقع في يدهم وحاكموه وأعدموه، كذلك الحال منذ الثورة الفرنسية أم الثورات في التاريخ الحديث مروراً بثورات 1848 في القارة العجوز، لو لم تكن الجيوش قابلة وراضية بدرجة ما حتى ولو كانت متفاوتة لما نجح منها ما نجح وفشل منها ما فشل، لعل الاستثناء الوحيد وهو ليس استثناء صارخ هو ثورة 1919 لأن الجيش البريطاني وممثله الجنود الأستراليين لم يكونوا متفقين مع الشعب المصري، لكن الجيش المصري كان من المؤكد داعماً لثورة شعبه، ودعني هنا أشير إلى أن ثورة 1919 يكاد أن تعد مقاومة شعبية ضد محتل على غرار نظيرتها في الجزائر وتونس وغيرها من ثورات أفريقيا التي كان يدعمها المصريون والنظام الناصري بالسلاح حتى يكون لها القدرة على المقاومة، وتنفيذ أعمال الفدائيين، لكني حين أضع قاعدتي رضا الجيش عن ثورات الشعوب ضد الطغاة لعلي أتحدث قاصداً بالأحرى عن ثورات الشعوب في شتى أرجاء العالم ضد طغاتهم الداخليين وليس المحتل، ولو قصدنا ثورات الشعوب ضد المحتل، ففي هذا نفسه أجد السلاح يلعب دور في الثورة الأمريكية، وكل ثورات أفريقيا كما أسلفنا.
 
انتظرونا المقال التالي لنتحدث عن باقي الأزمات التي تواجه الشعوب العربية بالذات، ولا تشترك معها ثورات العالم كله، اللهم إلا إذا استثنينا ثورات العالم الثالث.
 
المختصر المفيد إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يرضا الجيش أولاً.