مفيد فوزي
أنا لا أعرف معنى مصطلح «بنت لذينه» إلا من أغنية ربما مجهولة لتامر حسنى «منافس الهضبة» تقول: «الدنيا دى بنت لذينه عماله تخبط فينا»! وهى عبارة على لسان الحس الشعبى يوصف بها كل شىء صعب المنال.. وهذه المفاهيم العصرية أصبحت من ثوابت هذا الزمن!

إذا وجدت على الشاشة الصغيرة بنى آدم «يبهدلوه» همست في سرى: عادى! وإذا عرفت أن للبهدلة هذه ثمنا مرتفعا، همست في سرى: عادى! ولا أزمجر ولا أنزعج ولا أهاجم ولا أنتقد، إنما أمر على ما أراه دون أي اندهاشة، فلا أعطى لما أراه أي اهتمام. صار الغيظ يأكله وبعضه يمزق بعضه، وألقيت بالبهدلة في سلة المهملات، فكل إنسان مسؤول عن كيانه، يحترمه ببلاش أو يبهدله بفلوس. والمفهوم العصرى: لا تعط صوتك بالقبول أو الرفض تجاهل ما رأيت ما دمت أنت شخصيا في السليم (والله أعلم).

إذا انفتحت سيرة شخصية في برنامج وكان المقابل المادى أكبر من الكرامة والهيبة، فلا مانع من الدخول في حوارى الشخصية وكشف المتغطى والمستور، وفين يوجعك، فلا تظن أن أحدا يتعاطف معك، فالناس تواقة يعنى شغوفة يعنى مستمتعة يعنى متلذذة بفضائح الشخصية، وكيف أنها متجوزة خمسة في العلن وخمسة سرى بورقة! من الممكن أن يكون المذيع أو المذيعة أبرياء، ولكن هناك فوق في الكنترول من يهمس كفحيح الثعابين بالمعلومات عن طريق الإيربيس، والمقصود إحداث الشعللة وصراخ الضيف والتهديد بمغادرة البرنامج، وحبذا لو تم ذلك ــ حسب المفهوم العصرى ــ يشد اهتمام الإعلانات، فالإعلان يهرب من مادة محترمة، ويتكالب على الفضائح وحياة شخصية تحت البلاطة.

أعرف عذاب من يقدمون برامج لها محتوى ومتصلة بهموم البلد ولكن الإعلانات تغازلها ولا تقع في هواها!! ويوم لا تلتفت إلى الفضائح ذات الرائحة العفنة ولا تعلق بحرف في الصحف أو على السوشيال ميديا، فأنت تقتل التشويق النابع من أسرار الناس اللى في البير وتحتاج لمنشطات لدفع دماء الاندهاش فهو يعتمد على الاندهاش والتعجب و«يا خبر! يا خرابى يا عرابى.. هلا هلا على الفضايح» ساعتها ــ عندما تتجاهل تسقط المادة العفنة في البلاعة وتشد السيفون غير آسف.

اشتقت ــ على شاشة تليفزيون مصر ــ أن أسمع وجهة نظر محترمة أو رأيا معارضا باستنارة أو كلمة «لا» برشد. ولكن أبدا فاللى يكسب هو الفضائح والشتائم والفيديوهات إياها وما عدا ذلك لا تشويق ولا اندهاش، قال مرة مصطفى أمين (إن من يمنح تاريخ صلاحية أي جريدة هو قارئها) وأنا أضيف أن من يحدد تاريخ صلاحية أي برنامج هو «مشاهدينه»! وقد سرحت قليلا في أمر جوهرى وهو هل ــ إعلاميا ــ نوعية برامج الفضائح مقبولة قوميا؟ الإجابة: نعم ما دامت لا تقترب من الخطوط الحمراء للدولة، ولا مانع من وجودها وعلى المتضرر منها التحول بالريموت إلى برنامج يهتم بطريقة ولادة الثعابين! وسؤال آخر: هل تخضع برامج الفضائح إلى لائحة المخالفات؟ الإجابة لا مهما كان حجم الفضيحة، فهذه حياتها وهى حرة تفرده تتنيه هي حرة!ولا تتدخل لائحة المخالفات إلا في الإيحاءات الجنسية أو الألفاظ الخادشة للحياء العام والحقيقة أن الحياء العام من فرط ما يسمع كل دقيقة فقد عذريته!

لا أخفى إعجابى بحملة تقول (خليها تصدى) عن السيارات، وحملة بعنوان (خليها تعفن) عن الطماطم وحملة مخيفة بعنوان (خليها تعنّس) عن المضربات عن الزواج، ولم يبق سوى حملة لبرامج الفضائح (خليها تبور) ساعتها لن يجتذبها الإعلان ولن تجد لها مشاهدين، ومن هنا كان المفهوم العصرى ابن اللذينه هو (لا تهاجم شيئا فإن الهجوم وسيلة للشعللة والشعللة تنتقل للميديا والميديا تخلق (رأى عام) والرأى العام يحدد مدى نسبة المشاهدة!! وهكذا!

مطلوب البرامج الجادة ومطلوب المذيعة الجادة أو المذيع الجاد، ويقفز سؤال هل من الضرورى أن يكون البرنامج «مشعلل ومشطشط وسخن بنار الفرن؟» نعم، ففى زماننا أصبح الإقبال على الأمور الجادة ضعيفا، وهذه مصيبة فبرامج الفضائح تعطى صاحبتها شهرة وفلوس، وتمنح المذيعة الجادة احتراما.. ويوم أن يلهث الإعلام وراء الفضيحة وتمزيق سترة الحياة الشخصية، فقل على الإعلام السلام. لابد لجهاز الإعلام الأعلى في هذه البلد أن يضع (المحتوى) على قائمة المخالفات!

كان لى برنامج إذاعى اسمه (أوافق أمتنع) وكان أشهر برنامج إذاعى في رمضان وكنت أعده وتقدمه سناء منصور، كان يعتمد على الرأى الشجاع لا على فضيحة! وجلب لى المشاكل والقضايا أمام المحاكم.. كان الرأى الصادم هو الجاذبية الوحيدة.. الآن الفضائح الشخصية هي صاحبة الجاذبية.!

وإذا أردت أن تقتل شيئا في مهده فلا تنتقده ولا تشعل الفيسبوك به ولا تلتفت إليه.. دعه يمر دون التفاتة أو اندهاشة فقد ثبت أن «النجاح» في هذا الزمان يتغذى على الشتائم والفضائح والدخول في السيّر الشخصية والفضفضة على مواقع التواصل.

قبل الخطاب الدينى وتجديده، أرى أن الأولى بالتجديد والتحديث والتنوير هو الخطاب الثقافى مرورا بالخطاب الأخلاقى بما فيها قيم بنت لذينه!!
نقلا عن المصرى اليوم