في مثل هذا اليوم 15 مايو1923م..

سامح جميل

إمارة شرق الأردن هي كيان سياسي ذو حكم ذاتي كان موجوداً ضمن منطقة فلسطين الانتدابية رسمياً منذ 1921 ولغاية تاريخ إعلان استقلال المملكة الأردنية الهاشمية في 1946
 
وشملت معظم الأراضي الواقعة شرقي نهر الأردن، ومنه أخذت هذه التسمية
 
بعد نهاية الحرب العالمية الاولى سعت كل من فرنسا وبريطانيا الى تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو الموقعة بينهما عام 1916 والقاضية باقتسام الهلال الخصيب بينهما، على أن تشمل السيطرة الفرنسية منطقة الدولة السورية الحالية ولبنان وجزءا من العراق، والسيطرة البريطانية مجمل المناطق العراقية وفلسطين وشرق الاردن، فيما سمي بعد ذلك بالانتداب.
 
وكانت جيوش الدولتين قد دخلت بعد هزيمة تركيا في الحرب الى بعض هذه المناطق. كما كان التواجد البريطاني مقبولا الى حد ما في الاوساط الشعبية كنتيجة للوعود البريطانية المعقودة للحسين بن علي بالمساعدة عل استقلال سورية موحدة، بناء على مطالب المؤتمر السوري .
 
وكان الحكم الفيصلي قد بدأ يضع قواعده في دمشق .
 
ولكن الجيوش الفرنسية دخلت دمشق بعد معركة ميسلون ووضعت حدا هذا الحكم لتقيم سلطتها الانتدابية تنفيذا لاتفاقية سايكس - بيكو. وانتشرت في الاوساط الشعبية فكرة بان الجيوش الفرنسية قد تتابع زحفها الى شرقي الاردن لتضمها الى منطقة نفوذها تعويضا عن الجزء العراقي الذي لم تمكنها بريطانيا من السيطرة عليه (بحسب تقسيمات سايكس - بيكو الاولى).
 
وعم الخوف في شرقي الاردن من الاحتلال الفرنسي خصوصا وان الادارة البريطانية قد وعدت الاهالي بادارة محلية منفصلة عن فلسطين (وغير مشمولة بوعد بلفور)، كما وعدتهم بعدم تجنيدهم في الجيش وبعدم نزع السلاح منهم، وبامكانية تنصيب احد ابناء الحسين بن علي على المنطقة.
 
وفي 2 سبتمبر 1920 اجتمع رؤساء القبائل في أم قيس مع احد الضباط البريطانيين وقدموا له مذكرة خطية بما يطالبون بريطانيا به .
 
واجابهم المسؤول البريطاني خطيا.
 
ومن أهم مطالبهم
اقامة حكومة وطنية تضم لوائي الكرك والسلط وفضائي جرش وعجاون (مجمل اراضي المملكة حاليا) وحوران وقضاء القنيطرة، وقبول الانتداب البريطاني على هذه الدولة .
 
أن يرأس هذه الحكومة امير عربي وان لا تكون لها علاقة بحكومة فلسطين البريطانية وان تمنع الهجرة اليهودية الى اراضيها ويمنع بيع اراضيها لليهود.
ان يكون لها جيش وطني تدعمه بريطانيا بالسلاح، وتمنع الفرنسيين من احتلال اراضيها. وان تحافظ هذه الدولة على ايواء جميع السياسين السوريين اللاجئين اليها.
 
وان يكون لها تمثيل خارجي كامل كدولة مستقلة
 
وعلى اثر ذلك تألفت في شرق الاردن حكومات محلية استعانت بمستشارين بريطانيين .
 
وكانت المقاومة الشعبية للاحتلال الفرنسي في مناطق تواجده قد بلغت اوجها. وكتب عدد من المواطنين الى الملك حسين بن علي يطلبون اليه ايفاد احد انجاله لمتابعة المقاومة استمرارا لقناعتهم بخط الثورة العربية الكبرى.
 
واخبر الملك حسين الجنرال البريطاني اللنبي بهذه الرسائل. واستقر رأيه على ارسال نجله الامير عبدالله ليترأس المقاومة، وأوعز اليه بالتوجه الى مدينة معان .
 
ووصل الامير عبد الله معان في 21 نوفمبر 1920.
 
، وكانت بريطانيا في ذلك الوقت تهيء قواتها في العراق لاسترجاع مراكزها بعد الثورة العراقية. واهتمت بريطانيا وفرنسا بقدوم الامير عبد االله، وجرت بينهما اتصالات بهذا الشأن.
 
واحتجت فرنسا عل قدومه خصوصا وانه اعلن نفسه نائبا عن اخيه فيصل ملك سوريا المنفي في ذلك الحين. ووجه الدعوة الى جميع اعضاء المؤتمر السوري المنحل للالتحاق به . واعلن عزمه عل متابعة النضال وتأليف حكومة سورية وحدوية.
 
واصدر منشور «الى اهالي سورية» يعلن ما جاء من اجله.
 
ويبدو ان الاستجابة لم تكن كافية.
 
كا تبين للامير ان القيام باعباء هذه الحركة بحتاج الى المال، وهو لا يملك مالا.
 
حتى انه اضطر ان يقترض ثلاثة الاف دينار من عودة ابو تايه.
 
تخوف البريطانيون والفرنسيون من قدوم الامير عبدالله، ومن ان يؤدي ذلك الى ارتفاع حدة المقاومة وتوسيعها ضد نفود الدولتين، فنشطت الاتصالات بينهما مجددا حول المسألة السورية وضرورة تهدئة الاوضاع في سورية كلها.
 
واستعجلت المحافل الدولية في وضع الاطر «الشرعية» والتنظيمية لانتداب الدولتين عل سوريا وتثبيت تقسيمها.
 
خصوصا وان اتصالات جرت بين الامير عبدالله ومصطفى كال اتاتورك بواسطة غالب الشعلان اثارت تخوف بعض الخبراء البريطانيين من ان يكون وراءها خطط وحركات مرتبطة بسياسات دول اخرى. وقد قدر بعض هؤلاء الخبراء ان يكون لهذه الاتصالات علاقة بالسياسة البلشفية .
 
طلبت الدوائر السياسية في لندن من الملك فيصل الاتصال بوالده لايقاف اي حركات عدائية لبريطانيا في شرقي الاردن. وبعد عدة اتصالات اوفد الملك فيصل سبحى الخضرا احد اعوانه الى عمان بحمل توصيات لاخيه الأمير عبدالله وبدأت المفاوضات بين الملك فيصل والبريطانيين في لندن بتاريخ 23 ديسمبر 1920.
 
واستمرت هذه المفاوضات الى ان تسلم تشرشل وزارة المستعمرات اللريطانية التى انيط با حل المسألة السورية.
 
وأثناء هذه المفاوضات حاول المندوب السامي على فلسطين صموئيل (وهو يهودي) ان يقنع حكومته على احتلال شرقي الأردن احتالا كاملا ليطبق عليها ما يطبق على فلسطين.
 
وقد فشل صموئيل في ذلك نتيجة لجهود الملك فيصل الذي كان يلح عل الوزارة البريطانية بضرورة التفاهم مع ابيه وتسوية القضيه السورية تسويةة مرضية للجانبين . وتم الاتفاق مبدئيا عل انشاء حكومتين وطنيتين في العراق وشرقي الاردن.
 
يبدو ان بريطانيا قد ارادت بذلك فعالا ان تهدئ الأمور «وتعوض» بهذا الاتفاق عن سياستها في فلسطين
 
واتصل تشرشل بالامير عبدالله من القاهرة وابلغه رغبته بالاجتماع به في القدس . وتم الاجتماع في 28 و 29 و 30 مارس 1921. وكانت نتيجة المحادثات ما يلي ،
 
- تؤسس في شرقي الاردن حكومة وطنية برئاسة الامير عبدالله .
 
- تكون هذه الحكومة مستقلة استقلالا تاما
 
- تساعد بريطانيا هذه الحكومة ماديا لسد نفقات اقامة قوة عسكرية غايتها توطيد الامن .
 
- تسترشد هذه الحكومة برأي مندوب بريطاني يقيم في عمان .
 
- يتعهد الامير عبدالله بمنع "الاعتداءات من شرقي الاردن عل سورية وفلسطين".
 
- تسعى بربطانيا لتحسين العلاقات بين الامير عبدالله والسلطة الفرنسية في سورية .
 
- تنشىء بريطانيا مهبطي طائرات في عمان وزيزيا.
 
- يعتبر مشروع الاتفاق بمثابة تجربة مدتها ستة اشهر. فان كان ملائا للطرفين استمر العمل به، والا يعاد النظر فيه.
 
وقد اعلن الامير عبدالله اثناء المحادثات عن اعتقاده بان افضل سبيل لحل مشاكل المنطقة هو اقامة حكم واحد في فلسطين وشرقي الاردن برئاسة عربي فرفض تشرشل ذلك لان حكومته تريد تنفيذ وعودها لليهود.
 
وعاد الامير عبدالله الى عمان. وهكذا تأسسست امارة شرقي الاردن. وقد رأى الأمير عبدالله ومرافقوه ان مبادىء الاتفاق ستشكل خطوة ايجابية اولية في مصلحة المنطقة فوافقوا عليها. وتحقق بذلك اساس للاستقرار ولمسيرة الاستقلال، في حين بقيت مناطق اخرى من سورية الطبيعية (لبنان وسورية وفلسطين) تعان من مظالم الحكم الاجنبي .
 
وقد استعان الأمير عبدالله في ادارة دفة الحكم برجال اكفاء ومخلصين. وكانت اول حكومة اردنية بعد عودة الامير من القدس وتأسيس الامارة في 11 نيسان 1921.!!