عندما يوضع أمامك طبق من الطعام الشهي الذي تفضله وتبدأ في التهامه.. هل فكرت أن وراء هذا الطبق حكاية طويلة تضرب بجذورها أحياناً عبر آلاف السنين؟! فوراء كل نوع طعام يتناوله الإنسان الآن في مصر والعالم قصة لا تقتصر على تطور أدوات وأساليب الصيد والقنص والطهي.. بل يتأثر في محطات عديدة بالتاريخ السياسي والاجتماعي والديني للشعوب.

 

وفي هذه السلسلة «تاريخ الطعام» الممتدة طوال شهر رمضان المبارك.. تستعرض «الشروق» معكم حكايات أنواع مختلفة من الأطعمة المحلية والإقليمية والعالمية.. وتنشر الحلقة يومياً الساعة 12 ظهراً بتوقيت القاهرة.
 
 
الشاورما من أكثر الوجبات انتشارا حول العالم، ويحبها الكثيرون باختلاف ثقافاتهم وعاداتهم، وغالبا ما تحضر بنفس الطريقة في كل الدول التي تقدمها؛ فيتم تحضيرها من خلال وضع اللحم المستخدم، قد يكون لحم البقر أو الدجاج أو الضأن، واستخدمت لحوم الأسماك مؤخرًا، على قطعة معدنية مستقيمة تسمى "السيخ"، بعد إضافة التوابل والبهارات لإعطاءها نكهة مميزة، وبعد ذلك يتم توجيه الشاورما لمصدر الحرارة اللازم لطهيها.
 
وبالرغم من أن الفكرة الأساسية للشاورما هي تعريضها لنار هادئة؛ ما يؤدي إلى تصفية اللحم من الدهون والشوائب الزائدة، إلا أنها تحتوي على الكثير من السعرات الحرارية والدهون والكوليسترول، قد يكون بسبب العناصر المضافة لها كالدهن الذي يوضع إلى أعلى السيخ، الأمر الذي يجعلها من أكثر الوجبات التي تؤدي للسمنة.
 
وتشتهر المطاعم الشرقية، وخاصة في تركيا والشام ومصر، بتقديم شطائر الشاورما السريعة، صاحبة المذاق الشهي، إلا أن أصل تلك الوجبة محل نزاع؛ إذ تقدم كل دولة تتدعي أنها صاحبة فكرة الشاورما حجتها التي تؤكد نسبة الوجبة لها.
 
الرواية التركية: 
يقال إن الأتراك هم أول من أعدوا الشاورما، وأطلقوا عليها اسم "سِفِرِم" (ceverem)، وتعني دوران السيخ أمام النار، وأول من اخترعها هو محمد إسكندر في مدينة بورصة التركية عام 1870، الذي يؤكد أحفاده أنه أول صاحب سيخ شاورما عمودي في العالم. 
وتعتبر الشاورما أو "الدونر كباب" الوجبة الشعبية الأولى في تركيا، وتقول الرواية التركية إن الشاورما انتقلت للعرب عن طريق الحجاج الأتراك الذين كانوا يعبرون على سوريا في رحلتهم للحج.
 
الرواية الألمانية: 
تقول الرواية الألمانية إن قدير نورمان هو من أدخل الشاورما إلى ألمانيا، عندما سافر لها في سبعينات القرن الماضي، كعامل أجنبي يبيع شرائح اللحم داخل الخبز الشرقي المفرود أمام محطة حديقة الحيوان في برلين باسم "الدونر".
 
وانتشرت الشاورما في ألمانيا لتصبح من أهم الوجبات السريعة هناك، ويوصف قدير "أبو الشاورما" و "أبو الدونر" وتوفي عام 2013، ونعته المستشاره الألمانية أنجيلا ميركل.
 
وأظهرت بعض الدراسات أن الشاورما ذات إقبال كبير في المطاعم الألمانية، وتلعب دوراً هاماً في تنشيط الاقتصاد الألماني وتنتشر الكثير من المعامل والمصانع الخاصة بانتاجها، ويظهر كذلك حجم المطاعم التي تروج لبيع هذه الوجبة التي أصبحت في ألمانيا أكثر استهلاكاً من الهامبرجر وغيره من الوجبات السريعة.
 
الرواية السورية:
السوريون أيضا يتمسكون بأن أصل الشاورما، بمزاقها الحالي يعود لهم؛ ودليلهم على ذلك أن التوابل التي توضع على الشاورما توابل عربية وشرقية، كما لطريقة لف اللحم بالخبز العربي حجة في ذلك.
وعندما احتك العرب بالأتراك تغيرت كلمة "قاورما" إلى "شاورما" المشتقة من "الشوي"، ولذلك يرى الشوام أن الشاورما عربية الهوية ولكنها من أصل تركي، إلا أن أغلب دول العالم تتفق على أن شاورما الفراخ أصلها يعود لسوريا فعلا.
 
الرواية المصرية: 
تقول الرواية المصرية عن ملكية أصل الشاورما، من خلال نقوش على معبد رمسيس الثاني ببني سويف، إنه منذ 6 آلاف سنة ابتكرت سيدات بني سويف وجبة سريعة للأزواج والأبناء الذين يعملون في الزراعة، من خلال عمل شرائح اللحم الرفيع بالتوابل وعصارة البصل بـ"ملفوف" معرض للنار، في حالة أقرب ما يكون للشاورما في وضعها الحالي.
 
أطباق الشاورما
الشاورما تقدم في اليونان باسم "الجيروس"، وفي أرمنيا باسم "ترنا"، والكلمتان تعنيان دوران السيخ أيضا. 
أما في العراق فيوجد أيضاً شاورما، مثل الكثير من دول العالم، ولكنها تسمى عندهم "القص"، وتتميز الشاورما العراقي بأنها تعد على "سيخ" طويل جدا؛ فقد يصل طوله متر ونصف وأحياناً أكثر من ذلك، ويتم تقديمها مع الخبز والمقبلات.
 
الرواية الإسرائيلية:
وكعادتها في القفز على الأشكال الحضارية المختلفة، حاولت إسرائيل الانضمام لهذا النزاع التاريخي على الشاورما، كما نسبت لنفسها الأطباق العربية كالفلافل والحمص، فزعمت أن الشاورما أصلها يهودي.
 
حيث نشرت صحيفة هاآرتس تقريرا، في بداية العام الجاري، للصحفي الإسرئيلي ايران لاور بعنوان "الشاورما طعام الشارع الإسرائيلي المميز يعود تدريجيا إلى تل أبيب"، احتفل فيه بعودة مطاعم الشاورما لتل أبيب بعدما أغلق الكثير منها بعد فترة قصيرة من الرواج في منتصف العقد الماضي، فيقول في مقاله: "إذا أردنا صحوة حقيقية علينا الحديث عن الشاورما الإسرئيلية"، ما تسبب في حالة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي.
 
الخوف من الشاورما
في الفترة الأخيرة، وفي ظل تصاعد اليمين في دول العالم، آثارت الشاورما جدلا كبيرا في فرنسا أيضا إذ حظرت بعض الأحزاب اليمينية من انتشار الشاورما في المطاعم الفرنسية، معتقدين أن ذلك يشير إلى انتشار العادات الإسلامية وترسيخ الثقافة الشرقية في البلاد.