تخيلوا أن البعض اعتبر هذا الهراء «إيفيه ضاحك» (هو أنا كنت دايما عندى إسهال مفيش مجمد أبدا)، نعم هذا هو مفهوم عدد ممن يطلق عليهم نجوم كوميديا للكوميديا، وهكذا امتلأت الشاشات المصرية بالعديد من السخافات وبنفس الأسلوب الفج، بينما تعتقد الدولة أن الأمر مستتب طالما كل شىء تحت السيطرة ولا يوجد ما يثير الغضب، والرقيب مفنجل العينين ولن يسمح بأى مشهد خارج في الأقوال أو الأفعال، الغريب في الأمر أن شركة واحدة هي التي تنتج وهى أيضا التي تملك قنوات العرض، والمفروض أنها مكلفة بتحقيق خطة محددة للإنتاج، ومن خلال الدراما تقدم رسائل تحرص على رواجها وتصديرها، ورغم ذلك فإن هناك تجاوزات يرصدها المجلس الأعلى للإعلام، زادت حتى عن العام الماضى، كيف يحدث ذلك بينما المفروض أن المنبع والمصب تحت السيطرة!!.

 
ليس مهما هذه المرة أن أتناول مسلسلا بعينه، بقدر ما نتأمل الرقعة الدرامية برمتها وما أصابها من ترهل وما تعانيه من تراجع، مع ملاحظة أن الشاشات العربية التي تقدم دراما سوريا ولبنانية وخليجية استطاعت لأول مرة أن تسرق اهتمام الناس، هناك اعتقاد راسخ لدى الدولة، وأيضا القطاع الأكبر من الجمهور، بأن المأزق الحقيقى يكمن في غياب الرقابة، والحل يأتى فقط مع زيادة قبضتها الحاكمة.
 
هناك الكثير من التجاوزات التي لا تقع تحت طائلة قانون الرقابة، ولكنها أشد ضراوة بسبب افتقادها الروح الفنية، الساحة بقواعدها الجديدة ضيقت الخناق على أغلب نوافذ الإنتاج الموازية فتوقفت، أو توجهت لميديا أخرى، جزء من المشكلة له علاقة بالتنافس الذي غاب هذا العام فتراجع بالضرورة المستوى.
 
تناقص العدد أدى إلى أن الجودة أيضا تراجعت، وفتح الباب للقنوات لتبحث في دفاترها القديمة وتعيد بث أعمال درامية من المكتبة، ليس من باب الحنين للماضى (نوستالجيا)، ولكن لأن بها فعلا قدرا من الحداثة الفكرية، حتى لو لم تساعدها التقنيات المتاحة، مما دفع الناس مجددا لمشاهدتها.
 
بعضها يعود زمنيا لنصف قرن، أمسك الناس بالأعمال القديمة وكأنها طوق نجاة ينقذهم مما يتابعونه، الدراما التليفزيونية بطبيعتها كبناء فنى غير قادرة على الصمود طويلا، فهى تُصنع لجمهور آنى، على عكس الفيلم السينمائى الذي ينبغى أن يمتلك شيئا أعمق يتيح له التجدد في الزمن، ورغم ذلك اكتشفنا أن عددا من المسلسلات لا تزال تحتفظ بطزاجتها حتى الآن.
 
لست من هؤلاء الذين يتشبثون بذكرياتهم الدافئة الجميلة ولا يرون غيرها، على العكس لدىَّ يقين أن القادم بحكم المنطق ينبغى أن يكون أفضل، إلا أن ما حدث واقعيا دفع المشاهد المصرى لاستخدام حق اللجوء للقنوات العربية أو للعودة للأرشيف لنعرف أين كنا؟ وكيف أصبحنا؟.
 
المخاطر يجب أن ندركها من الآن، تراجع مصر دراميا وإعلاميا ليس مجال مقايضة أبدا، إنه أحد أسلحة الأمن القومى، القوة الفنية والإعلامية دائما ما تقف في الصدارة، وهى بحاجة لقدر من المناخ الصحى لكى تعمل بكامل طاقتها وتعود لمقدمة الصف (الألفة).
 
أي خطة في الدنيا تستحق المراجعة على ضوء النتائج، فبعد أن جربت شركة محددة هذا الطريق، لتصبح لديها قوة ثلاثية الأبعاد، فهى المنتج والموزع والرقيب، ورغم ذلك فإن هذا هو حالنا، فهل نواصل السير في سكة محفوفة بالمخاطر؟، أم أن المنطق يقول إن علينا اختيار طريق آخر؟!!.
 نقلا عن المصرى اليوم