خالد منتصر
«جابر عصفور يهدم فى الإسلام»!!!، هكذا وبكل بساطة ويقين وثبات وراحة ضمير أطلق د. محمود مهنى عضو هيئة كبار علماء الأزهر، اتهامه الصريح، الذى يعرف أنه فى مجتمع يعيش هستيريا التطرّف الدينى حتى النخاع، فإن تلك العبارة بمثابة تحريض مستتر على قتل «د. عصفور»، بواسطة أى عابر سبيل لا يعرف من هو جابر عصفور أصلاً، وبالطبع لم يقرأ له حرفاً، لكنه يعرف فقط أن هؤلاء هم كبار العلماء الذين احتكروا فهم الدين!

استدعى تصريح «د. مهنى» إلى ذهنى نفس أجواء ما قبل مقتل فرج فودة، حين أصدرت جبهة علماء الأزهر، التى كانت تضم فى عضويتها أسماء لامعة، منها د. عبدالغفار عزيز، ود. مزروعة، بياناً فى جريدة النور التى كان يملكها السلفى الحمزة دعبس، البيان بتاريخ ١ يونيو ١٩٩٢، أى قبل اغتيال فودة بأسبوع، وكان الاتهام هو نفس الاتهام بنفس العبارات، التى أطلقها «د. مهنى» فى حواره، التهمة هى هدم الإسلام، وبالطبع الإسلام المحتكَر فهمه وتأويله وتوزيع صكوك غفرانه منهم فقط، المفروض أن يقول عن الرسول إنه قد سُحر بمشط ومشاطة وما علينا إلا أن نقول آمين لأن كبير العلماء قد قال، نقول الشيخ الجليل محمد عبده الذى لا يمكن أن يكون قصده هدم الإسلام قد أنكر حديث السحر، يقال لنا اخرسوا يا علمانيين يا كفرة، إيش فهمكم انتم، فنحن كبار العلماء، يقول فى حواره إن الأحاديث وحى، ويذكر آية إن هو إلا وحى يوحى، فنرد بأن تلك الآية خاصة بما ينزل من قرآن فقط، ونوثّقها بكلام د. عبدالمنعم النمر، الذى لم يكن غرضه طبعاً هدم الإسلام، فيتهموننا بالردة، وبأننا ننفذ أجندة صليبية ماسونية صهيونية همايونية... إلخ، مَن الذى منحكم توكيل الرب؟ ومن نصبكم المتحدث الرسمى باسمه لكى توزعوا اتهاماتكم ذات اليمين وذات اليسار، وتكفّروا هذا وتدخلوه النار، وتعتقوا ذاك وتدخلوه الجنة؟

أعتقد أن «القذافى» لم يخطئ حين تساءل سؤاله الشهير: من أنتم؟!، لكم كل الاحترام، لكن ليست لكم قداسة عُليا سرمدية لا تناقش، نحن لسنا فى دولة ملالى، ولا فى زمن محاكم تفتيش، أو محاكمات مكارثية، نحن فى دولة قانون، وأعتقد أن قانون هذا الوطن يسمى ما صرح به «د. مهنى» تحريضاً على د. جابر عصفور، الذى لم أقرأ فى كتبه أو حواراته هجوماً على العقيدة، إلا إذا كان نقد التوغّل الوهابى والإخوانى فى الأزهر أصبح من صلب العقيدة، ومن أركان الإسلام وفرائض الدين، د. جابر عصفور وغيره من الإصلاحيين والتنويريين ليست لديهم خصومة مع الدين، وحرية ممارسة شعائر الدين، لكن لديهم خصومة مع من يحتكرون فهم الدين، ويحولونه إلى مؤسسة سمسرة وبيزنس ولعبة سياسة واقتحام للفضاء العام، ومحاولة التحكم فى كل تفاصيل حياة المواطن بدعوى أنهم هم الوكيل الوحيد لقطع غيار الدين!!

دولة القانون لا بد أن تحاسب هؤلاء الذين يكفّرون الناس مجاناً ويخرجون متباكين بعد أن يُذبح مفكر أو يُغتال كاتب، قائلين إن القاتل لا يمثل الإسلام، أو إنه افتأت على أولى الأمر، أو إن قتله مسئولية الحاكم، أو إننا لم نقصد... إلى آخر تلك العبارات المنمقة التى دائماً تقال على مقابر شهداء الفكر والكلمة والرأى مع باقات الصبار المر، استيقظوا قبل أن يُقتل «عصفور» وغيره برصاصات الكلمات، اجعلوا العصفور يحلق ولا تنصبوا شباككم لاصطياده وتسليمه إلى حاملى البندقية.

الدولة عليها دور مهم، ألا تتخاذل فى المحاسبة للمكفرين، والحماية للمفكرين، يا «د. مهنى» العزيز الفاضل، أخطأت الهدف، فمن يهدم الإسلام ليس العصفور الذى يغرد خارج السرب حالماً بالدولة المدنية، لكنه الغراب الذى يقتل المدنية والمواطنة والحداثة والتنوير، ناعقاً على جثتها، تلك الغربان الناعقة السوداء هم من يجب أن توجه إليهم سهامك، من يهدم الإسلام بجد هم سماسرة فتاوى الدم وأصحاب بوتيكات التكفير المجانى وتجار بازارات الفاشية الدينية، من يهدم قيم الإسلام الحقيقية ويحول الدين إلى طقوس وشكليات ويجعل كثيراً من الشباب يُلحد هم أصحاب كوميديا الشطافات، وتأثير نمص الحواجب على شرايين القلب، وعلاقة اللحية بالفحولة الجنسية، ونكاح البهائم، وأكل لحم الجن، وتكفير المتبول واقفاً، والعلاج ببول البعير، والتداوى بجناح الذبابة، وقصص رجم القردة الزانية، وبيضة الشيطان، واليهودى الذى كان فأراً وقرداً وخنزيراً..... إلى آخر تلك القائمة التى من المؤكد أنك بعد قراءتها عالمنا الجليل وشيخنا الفاضل، من المؤكد أنك ستكون قد توصّلت إلى من هو الذى يهدم الإسلام حقاً؟.
نقلا عن الوطن