جمال رشدي : يكتب
لا توجد ارادة سياسية لبناء الإنسان أو لا توجد رؤية سياسية لكيفية البناء، منذ حقبة السادات ومرواً بحكم مبارك وتعيش مصر اضعف حلقات تاريخها، نعم أثبتت الأنظمة التالية للملكية إنها أنظمة فاشلة إدارياً، لا تمتلك الرؤية لكيفية التخطيط والبناء، ورغم التجارب المتكررة الفاشلة في اختيار المسئول ووضع الخطط فلا تغيير، هناك إصرار متعمد علي بقاء الوضع وتجميد نمو وتطور الإنسان، هل ذلك لخدمة مصلحة استمرار أنظمة الحكم من وجهة نظرهم ام هناك انعدام رؤية.
 
وصلت مشاكل مصر المتراكمة إلي حد الأزمة، وهنا طبقاً لعلم الإدارة لابد أن تكون الدراسة والتشخيص والعلاج عبر اشخاص وقرارات غير تقليدية، لكن ما زالت الإدارة في مصر إلي وقتنا هذا تصر علي استكمال طريق الأنظمة السابقة بل وصل بها الحال إلى الاعتقاد بأن ليس هناك ما يمتلك رؤية الإصلاح والتغير والتطوير إلا رجال النظام نفسه، هنا العقبة الكبيرة التي رسمت طريق اليأس في طريق الأمل للتغير.
 
منذ البداية وإثناء طرح وزير التعليم لموضوع التابلت وقد قلت ليس هكذا يتم إصلاح التعليم وبناء الإنسان، الموضوع ابسط من ذلك ويعلمه القاصي والداني ولا يحتاج إلي عبقرية تفكير ، الموضوع يكمن في سطور الكلمة داخل منهج التعليم، فالكلمة هي التي تبني والمعلومة هي التي تزرع والفكرة هي التي تخطط، هكذا داخل منهج التعليم يكون التغير بدون أي تكاليف، ما إلا الاعتماد علي علماء متخصصين في وضع المنهج الملائم للحالة المصرية من حيث العمق الحضاري والتاريخي.
 
وقد أرسلت رسائل عدة بهذا الشأن إلي وزير التعليم، لكن كنت اعلم انه أداء في يد النظام الحاكم الذي يرسم سيناريو لمسخ الهوية المصرية والانتهاء منها عن طريق التعليم، وكان موضوع التابلت ما إلا طعم لإلهاء النخبة الثقافية التي تنادي بالتغير والبناء، وهنا الحقيقة من الذي جاء بعضو حزب النور عبد الرحمن البكري الذي يقاوم الهوية المصرية ومدنية الدولة ليجعله أمين سر لجنة التعليم بمجلس الشعب والبحث العلمي هنا الحقيقة العملية للإرادة السياسية لنظام الحكم ومن يقول غير ذلك فهو مغيب أو متملق.
 
من يريد أن يبني دولة عليه ببناء الإنسان الذي يأتي بنائه عن طريق الكلمة المرسومة في الكتاب، والتي ستكون في أحلامه ويقظته ومن خلالها يفهم ويتكلم ويسلك ويفكر، والنظام لا يريد ذلك عامد متعمد وسيكون الوزير الحالي طارق شوقي كبش فداء يتم التخلص منه بعد انتهاء العام الدراسي الحالي، ليستعين النظام بشخص اخر نبدأ معه تمثيلية أخري لمرحلة أخري نلهي فيها المجتمع ونخبته ببعض الأفكار البليدة علي شاكلة التابلت، 
 
تلك الكلمات اكتبها من محبرة وطن يسكن بداخلي ومن قلم لا ينافق أو يتاجر بأوجاع وطن من اجل مال أو منصب أو مكسب.
 
النظام السياسي قضي علي الطبقة المتوسطة بفعل فاعل لان تلك الطبقة هي التي كانت تمثل الهوية المصرية في تعاطيها السلوكي اليومي كثقافة مجتمعية، وجعل 80% من الشعب تحت خط الفقر وبقت إل 20 % الاخري بين مغيب ومطبل ومرفه ، نعم سقطت مصر في مخالب الفوضى الإدارية وهناك فشل إداري كبير في كل الملفات الداخلية والخارجية منها.
 
ففي موطن إقامتي وبجانبي بعدة كيلو مترات وبالتحديد في مركز سمالوط وقرية عاطسا ( محافظة المنيا ) يوجد مجري ( صرف صحي ) تجتمع فيه كل قاذورات الصرف الصحي للمحافظة من مصانع ومياه صرف صحي وحيوانات ميتة .. والخ، ذلك المصرف أقامة الانجليز أيام الاحتلال يشق طريقة إلي نهر النيل وهناك يصب كل خيراته المميتة في النهر، فماتت الأسماك وأصيب المصريين بالإمراض ومنها المرض الكبدي، وتم تدمير تربة الأراضي الزراعية، وصرخ وكتب الكثيرين وقدمنا المقترحات أن ترفع مياه ذلك المجرى إلي الصحراء ليتم زراعة بها أشجار وغابات لأنواع أخشاب نستوردها بمليارات الدولارات من الخارج ،وبذلك نكون قد وفرنا مليارات الدولارات لمعالجة المصريين من أمراض ذلك المجري وحافظنا علي الثرة السمكية وجودة التربة الزراعية وأيضا حافظنا علي مجري النيل من الكثبان الطينية، لكن ليس هناك أذان تسمع أو ضمير يحكم ، فساد مستشري يتجرعه المصريين وذلك الفساد اصبح مققن كسلوك مسئول وداخل مؤسسات الدولة .
 
نحتاج نظام حكم قادر ولديه الرغبة والرؤية لكيفية نسف الهيكل الإداري القائم علي أسس الفساد، وبناء هيكل اخر بطريقة تتماشي مع متطلبات العصر الحديث، نحتاج إلي حكومة الكترونية ومسئول غير تقليدي لديه عبقرية الدراسة والتشخيص والعلاج والبناء، كل ذلك يلزم أن يكون هناك منظومة حكم قادرة علي وضع الرؤية والشخص المناسب في المكان المناسب. 
 
الرؤية الأمنية الضيقة والغير متخصصة التي تحكم مصر في الوقت الحالي، غير قادرة علي الاختيار أو التخطيط والتطهير والبناء وعلي نظام الحكم أن يقف قليلا ويلتفت يساراً ويميناً لتتسع رؤيته للوطن واقتراحات المتخصصين والعلماء والمثقفين قبل أن تذهب مصر بعيدا عن طريق الحل