خالد منتصر
فتاوى الدم مثلها مثل الوشم، لا ينفع معها غسيل، ولا تُجدى معها منظفات، فهى قد نفذت من الجلد إلى أعماقه، وتسللت إلى الدم وكراته الحمراء والبيضاء، أنهكت جهاز مناعتنا العقلى، فأصبنا بالإيدز الحضارى، نفذ السهم وتم النزف وتلوث الجرح وصارت الندبة متشعّبة كأذرع الأخطبوط، منتشرة كالسرطان، الشيخ عائض القرنى اعتذر وأعلن عن توبته، وزف إلينا البشرى بأنه كان غلطاناً، لأنه ضيّق على الناس حياتهم!!، يا سلام سلم القرنى بيتكلم!!

بهذه السهولة والبساطة بعدما حول تجار الدم وسماسرة الدين حياتنا إلى جحيم بالفتاوى والتحريضات واختيار أبشع ما فى التراث من حكايات متحفية مليئة بالقتل والذبح والأشلاء، استمعنا إليك فى أدعيتك التى تصرخ فيها وتطلب نفياً وحرقاً وأشلاء وتحطيم أسنان وتكسير عظام.... إلى آخر هذا القاموس الدراكيولى البشع، ثم تأتى اليوم لتعتذر وكأنك تعتذر عن دلقك كوب شاى على ملابسنا!!

يا سادة، القصة ليست فى اعتذار عائض القرنى، وإنما فى استراتيجية تيار بأكمله يجرنا إلى خارج التاريخ ويقذف بنا إلى الثقب الأسود لجهنم، فليعتذر الشيخ عائض أو كل دعاة التطرّف، هذا شأن خاص بينهم وبين الله، وهو جل جلاله الذى سيقبل توبتهم أو لا يقبل، لكن المجتمع لن يسامحهم، ولن ينسى البطون المبقورة والأطراف المنثورة والدم المتخثر والجماجم المتفحمة والأحزمة الناسفة والشباب الانتحارى، لن ينسى كل إفراز فتاويكم المفخخة، التى جعلت شباباً يهاجر من أقصى الأرض، ليُفجر نفسه على بُعد آلاف الأميال فى بلد لم يزره ولم يعرفه من قبل، يفجر نفسه لمجرد أنه قد سمع فتوى من خلال شاشة أو تحريض من على منبر، تقولون فتاويكم بكل يقين فاشى ودم بارد وشبق شرير، بعد كل هذا تريدون تقديم أوراق اعتذاركم، آسف جداً، آسفين كشعوب وقبائل وبشر وأرامل وثكالى وأيتام، فتاويكم لا تسقط بالتقادم.
نقلا عن الوطن