سحر الجعارة
يخطئ من يتصور أن الحرب على الإرهاب بالطائرات والدبابات والصواريخ. إنها حرب فكرية وثقافية ودينية فى المقام الأول ومعلوماتية أيضاً، لكن الأهم من كل ذلك أن تزرع الأرض بالبشر، ألا تترك على حدود مصر المترامية الأطراف قرى محرومة من التنمية وفرص الحياة العادلة، محرومة من خطاب تنويرى ووجود فاعل للدولة، ومنفصلة عن قلب مصر النابض بالحياة.. وألا تجعل «سيناء»، التى حررناها بدماء المصريين الزكية، بؤرة «لمّ الشمل» للتنظيمات الإرهابية التى قد تتخذ من الفقر والخطاب السلفى التكفيرى مقومات لتجنيد الشباب فى كتائب الإرهاب، واستقطاب عواقل سيناء بالمصاهرة والاختباء فى بيوتنا وبين ضلوعنا وتحت جلدنا!

إن الحرب على الإرهاب تبدأ بـ«التنمية المستدامة»، بمد شرايين الحياة العصرية إلى كل حبة رمل من أرضنا، لقد تركنا حدودنا مع «غزة» دون حراسة مشددة حتى تحولت إلى طوق ناسف من الأنفاق التى تصدّر لنا السلاح والإرهابيين.. ولم يجد الفلسطينيون بديلاً (وهم تحت الحصار) إلا تهريب الوقود والمؤن من مصر.. حتى «كنتاكى» أصبح له نفق لتصل الوجبات ساخنة من رفح المصرية إلى أعضاء حماس فى رفح الفلسطينية.

نحن إذاً أمام معجزة بكل المقاييس، تغير أولاً خريطة الإرهاب المرسومة بدماء جنودنا البواسل فى حربهم المفتوحة ضد الإرهاب فى سيناء، فقد افتتح الرئيس «عبدالفتاح السيسى» عدداً من المشروعات التنموية بمحافظة الإسماعيلية، من بينها أنفاق السيارات أسفل المجرى الملاحى لقناة السويس بالإسماعيلية، ضمن المشروعات القومية التى افتتحها الرئيس بالإسماعيلية.. والتى بلغت 12 مشروعاً تنموياً، بينها أنفاق قناة السويس، ومدينة الإسماعيلية الجديدة، ومحطة مياه الشرب الكبرى بالإسماعيلية الجديدة، وكورنيش بحيرة الصيادين الجديد، والممشى السياحى على البحيرة وسوق الأسماك المتطور الجديد، ومشروع المحاور المرورية، وكوبرى سرابيوم العائم بالإسماعيلية، وكوبرى الشهيد أحمد عمر شبراوى بمنطقة الشط بالسويس.

وحتى نعلم -ببساطة- قيمة هذه الأنفاق سأذكر لكم تجربتى حين كنت أشارك فى «مؤتمر الشباب» بالإسماعيلية، وكان مقر إقامة الإعلاميين بفندق «الفيروز» بالإسماعيلية الجديدة، كنا نخرج فى السادسة صباحاً لنمر بـ«المعدية» على قناتَى السويس «القديمة والجديدة».. ومثل الأطفال كنا نقفز من الأوتوبيس لنلتقط الصور فوق صفحة مياه القناة الجديدة وتحت شمس المدينة الباسلة.

لم نكن نهتم بالوقت، ولا بكون المعدية قديمة ومتهالكة، فقط كان ذهنى يأخذنى إلى تعطيل ممر ملاحى هام مثل «قناة السويس» ليمر البشر من الإسماعيلية الجديدة إلى القديمة أو العكس، أو تعطيل مصالح الناس أنفسهم انتظاراً للمعدية.. كانت المعدية، رغم روعة الوقوف عليها، تبدو «متخلفة» جداً عن قدرة وطن وإرادة شعب حفر قناة السويس الجديدة فى زمن قياسى.

لم أتصور -آنذاك- أن ينتهى العمل فى أنفاق قناة السويس فى 540 يوماً، بحسب تصريحات الفريق «مهاب مميش»، رئيس هيئة قناة السويس، لتسهل الأنفاق حركة التجارة بين الشرق والغرب وتفتح مجالات تصنيع وتنمية حقيقية فى سيناء. وقد جرى إنشاء وحفر وبناء وتشطيب أنفاق قناة السويس بأيادٍ مصرية، بتكلفة 12 مليار جنيه، وشيدها 3 آلاف مهندس وفنى وعامل مصرى فى يوليو 2016 حتى 2019، وتُعد الأكبر على الإطلاق على الصعيدين المحلى والقارى، لتنقل سيناء لآفاق رحبة اقتصادياً واجتماعياً.

وتربط أنفاق قناة السويس الجديدة شرق الإسماعيلية بغربها والعكس. وتستغرق مدة العبور بالأنفاق الجديدة ما بين 15 و20 دقيقة.. السرعة داخل الأنفاق 60 كيلومتراً تحت رقابة الرادار.. وتمر الأنفاق أسفل سطح الأرض والمجرى الملاحى لقناة السويس بعمقى 70 و53 متراً.. ويبلغ طول أنفاق قناة السويس 5 آلاف و820 متراً.

وبحسب تصريحات الرئيس «السيسى» فإن مصر تعمل على تطوير 10 أقاليم، وتكلفة الإقليم الواحد تصل إلى 800 مليار جنيه، مضيفاً: «يعنى لو الـ10 أقاليم متوسطهم كده يبقى بنتكلم فى 8 تريليون جنيه، والمفروض إننا حاطين خط فاصل لحد 30 يونيو 2020، لمعظم المشروعات».. وأضاف الرئيس أن كتلة الشباب المصرى كبيرة ولا بد من توفير فرص عمل لهم، وبالتالى لا بد من المضىّ قدماً فى المشروعات الجديدة.

وكأننا بصدد إعادة ترسيم خريطة الوطن، فالفرق بين اللون الأصفر «الصحراء» واللون الأخضر «التنمية»، هو الفرق بين لون الموت ولون الحياة.. إنها حياة جديدة واعدة، وفرص عمل تخاطب أحلام الشباب، تناديهم ليكونوا إرادة الإعمار بأياديهم الجبارة.. إنها خريطة لا بد أن ترتوى بالعرق والجهد والعمل.

وبدلاً من حالة «الدروشة» والسير كقطيع المجاذيب خلف قيادات الجماعات الإرهابية، سيجد الشاب من يملأ فراغه الفكرى والروحى بمشروع جديد هو طرف أصيل فيه، سيجد نفسه محارباً عن الأرض التى زرعها أو أنشأ فيها مشروعاً صغيراً، أو بنى فيها بيتاً وكوّن أسرة.. وساعتها فقط ستفر «داعش وإخوانها» من أرضنا.. سوف يصمت صوت الرصاص، وتخلع نساء المحروسة ثياب الحداد، لنسمع فقط غناء الصبايا فى المصانع والمزارع.

إنها أرض تعانق فيها المئذنة جرس الكنيسة، ولا يفر مسيحيوها فزعاً من عمليات الترهيب لأن جذورهم ستظل مغروسة فى الأرض.. وهذا هو الهدف الأسمى من «التنمية المستدامة».
نقلا عن الوطن