كتب : مدحت بشاي
Medhatbe9@gmail.com
 
عن حتمية تجديد الخطاب الحياتى بشكل عام، قال الرئيس السيسى، " لما تيجى تتكلم عن تجديد الخطاب الدينى، أنتم خايفين لنضَيَع الدين، هو اللى إحنا فيه دا إيه ؟، فيه أكثر منه ضياع للدين، أنتو عاوزين أكتر من كده؟! "... هكذا خاطب الرئيس العديد من مؤسسات الدولة الدينية والثقافية والإعلامية ، ولكنه للأسف كأنه كان مجتمعًا بأموات !!!
 
في أزمنة التبشير الأولى بعصور التنوير وضبط  استخدام الخطاب الديني ، استخدم فلاسفة التنوير منهجيته العقلانية لنقد التراث المسيحي ذاته. وهنا تكمن الطفرة النوعية الكبرى في تاريخ الفكر الأوروبي. هنا يكمن الفرق بين عصر ديكارت، أي القرن السابع عشر، وعصر فلاسفة التنوير، أي القرن الثامن عشر. فقد حصل تقدم في تاريخ الفكر بين كلا العصرين. وما كان مستحيلا سابقا أصبح ممكنا حاليا. ولكن هذا لا يعني أن العملية كانت سهلة أو مرت دون عقاب.
 
وقد دفع  فلاسفة التنوير ثمن جرأتهم الفكرية والنقدية غاليا. فكبيرهم فولتير عاش ثلاثين عاما في الخارج وهو لا يستطيع أن يزور مسقط رأسه: باريس. وجان جاك روسو عاش أيضا بعيدا عن جنيف. بل وكان ملاحقا طيلة النصف الثاني من حياته لأنه نشر أفكاره عن الدين والسياسة. وقد ظل مهددا لفترة طويلة حتى مات.
 
لاشك أن حركة التاريخ الإنساني كانت تبشر بعودة الإنسان المعاصر إلى الأنا والذاتية . وهاهو قد عاد إلى عصبته ( الدينية والجنسية والقبلية والعنصرية والطائفية )  ، وباتت هناك مقابلات مخيفة ( علم وجهل ، ثراء وفقر ، أصولية وحداثة ، انتماء وخيانة وعمالة ، .. ) .. لينشأ صراع مجنون على البقاء والبحث عن دنيا أحسن حالًا ..
 
.فى كثير من الأحيان، ينبغى أن نعلم ونتدرب ونسأل: كيف نوافق ولماذا نؤيد؟ وكيف نعارض ومتى نختلف؟.. كيف ننتمى بولاء صادق، وكيف نكون أصحاب قرار مستقل؟
فى كل الأحوال يرى العقلاء الانحياز لأن يكون مطلب التوازن والاعتدال ضرورة على جميع المستويات، لأن تقدمنا نحو المستقبل مرهون بتلك المطالبة، التفكير ضرورة وحق لنا من ضرورات وجودنا ذاته، وعليه يكون من المسموح، بل من حقنا أن نختلف، ولا يقتصر اختلافنا على الأفكار والقناعات حتى تتكون تيارات فكرية وسياسية وطنية، فيكون الاختلاف فى التأييد والمعارضة، فى الولاء والعداء، فى التواصل والتقاطع، فى الانجذاب والنفور والاقتراب الطيب والتباعد الاضطرارى وهكذا من الأمور المُجازة.
 
ومن هنا تظهر أهمية فكرة التعددية، والتى تعنى التنوع والاقتراب على المستوى العقلى والإنسانى والحضارى ونحن نتعامل مع واقع الاختلاف عقلانيا وإنسانيا وحضاريًا كى لا يتحول الاختلاف إلى احتراب. لذا جاءت رسالات السماء لتوصى وتحرض، بل وتلزم المؤمنين بها على الاعتدال والتآخى، وجاءت الدعوات الإنسانية لتجذر هذه المفاهيم وتدعو إليها وفق رؤى ونظريات إعمال العقل لتؤكد هذا المعنى.
 
نعم، إنها رسالات السماء التى كان ينبغى بصددها توخى أمانة التعامل مع تعاليمها لإعمال ما يحفظ منها للوطن القدر الأعلى لأمنه وسلامه الاجتماعى والقيمى عبر تفهم جيد لمعطيات العصر وتقدير ظروف معاناة بسطاء الوطن وتحمل المسؤولية من جانب مؤسساتنا الدينية العتيدة وغيرها من المؤسسات المعنية بصلاح أحوال الناس وتحقيق طموحاتهم.