كتب : د. مينا ملاك عازر
لا ريب أن أكثر نجاحات بوتفليقة في حياته ما قام بها الجيش الجزائري، وهو القضاء على الإرهاب المسلح، ووقف المذابح وفيضانات الدم الجاري على الأرض الجزائرية، لذا كان لزاماً وبشكل بديهي أن يكون الجيش في المشهد السياسي، فالجيش الذي ارتكز عليه بوتفليقة لحسم الأمر له في الحكم كان عليه أن ينفذ التزامه الأدبي الذي قطعه على نفسه رئيس أركانه قايد صالح تجاه بوتفليقة، فقرروا إعادته من سويسرا ليكون في المشهد ولو كان شكلياً فهو لم يعد قادر على كتابة حتى تلك الرسالة المطولة التي بثها التلفاز الجزائري وهي الرسالة المشكوك في نسبها له بناء على كونه مصاب بجلطة في المخ منذ عام 2013، وتدهور حالته الصحية الآن، ولا أظن أن قايد صالح قد استجاب لمطالب الجيش ولكنه استجاب لتقارير الأطباء في جينيف، حيث أكدوا في اعتقادي أن بوتفليقة لن يستمر حياً طويلاً، فقرر إعادة بوتفليقة ورسم خارطة تناسبه أولاً وأخيراً، وتناسب الجيش الجزائري فقد كان ما كان.
 
وبالفعل أطاحوا بالوزير الأول أحمد أويحيى وأتوا ببدوي رئيساً للوزراء، ونشروا صورة لبوتفليقة يحييه جالساً، ولكن وما دمنا في سياق الصور فنحن بصدد الصورة الأهم التي تؤكد ما ذهبت إليه في الفقرة السابقة من ضلوع الجيش الجزائري في الأمر ورسم الخارطة، وهي صورة قايد صالح مع الرئيس بوتفليقة وهم يجلسان معاً، وتأتي الخطوة التالية هي أن يوجدوا فترة انتقالية من خلالها يتم وضع دستور جديد، ولا أعرف لماذا دستور جديد؟ لكن الدستور الجديد سيفضحهم وسيفضح خططهم بمجرد قراءة مواده، فمسألة تعديل الدساتير ووضع جديدة فاضحة لواضعيها ومنفذيها وكاشفة عن أغراضهم مهما ادعوا النبل. 
 
لعل الأهم في خارطتهم هي أنهم سيختارون القادم بعد بوتفليقة، لعله قايد صالح؟ لعله آخر يرضى هو عنه ويتوافق معه، لكن المؤكد أنه لن يكون معارض وآتي بانتخابات حرة نزيهة يختاره الشعب، فحتى الحزب الحاكم بالجزائر حزب جبهة التحرير كان بعيد كل البعد عن ذلك المشهد السياسي الخطير الذي كان يشهده القصر الرئاسي برغم ادعاءات بعض قادته مالك بلقاسم أيوب الذي حاول أن يؤكد أن الحزب الحاكم ضالع بشكل كبير في العملية السياسية، فالكل يعرف ما عبر عنه بن بعيش رئيس حزب الفجر الجديد من أن الحزب الحاكم نفسه مظلة لفساد إداري كبير يتورط فيه الكثير من رجال الأعمال الذي أفرغوا الخزانة العامة، وبغض النظر عن كل ما قد تكهنه من تورط الجيش الجزائري في عمليات الفساد هذه، لكن من المؤكد والذي لا جدال فيه أن الجزائر الآن تمر بأخطر فترة مخاض سياسي عسكري في تاريخها، لا يوجد بها من السياسة بقدر ما فيها من العسكرية والحكمة، والأخيرة تظهر فقط بظهور المخضرم في الدبلوماسية الأخضر الإبراهيمي، لكن القوى العسكرية بادية جدا في تجاهل مطالب الشعب الجزائري والقفز من فوقها بتلك الخريطة التي تؤمن بوتفليقة ورجاله المنتشرين في المؤسسات، بل والأهم رئيس أركان الجيش الجزائري.
 
المختصر المفيد تباً للمواءمات السياسية والسلاح الذي يرفع في ساحات السياسة.