عادل نعمان
يرتقى أبوبكر البغدادى، الخليفة القرشى، درجات المنبر فى المسجد الكبير فى مدينة الموصل فى صلاة الجمعة منذ خمس سنوات، بعد سقوط المدينة بالتآمر والغش والتدليس والرشوة (وهو سر لم يُكشف بعد)، ويعلن إقامة الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش). يظن الخليفة نفسه على خطى الخلفاء يسير، وربما صعد المنبر على هيئة الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان، يصعد ويرتقى درجات المنبر، وهو يعلم أن كل من فى الصلاة على لقاء مع قسمة الغنائم والأموال والأسلاب، فاطمأن خاطره، وهدأ ت نفسه، وسكنت سريرته، وعلم أن السيوف فى غمدها ساكنة آمنة مطمئنة.

أبوبكر البغدادى يظهر علينا بعد خمس سنوات، جالساً بلا منبر ولا صعود، مهزوماً ومهدوداً ومريضاً، تبدو صفرة المرض على وجهه المنتفخ فى مخبئه، فليس هناك مسجد فى دولته، تحت إمرته وسلطانه وحكمه، يصعده يُلقى على العباد والرعية بيانه، فاكتفى بجلوسه فى مخبئه يعلن على العالم وفاة دولة الخلافة.

ولا أدرى، يا خليفة، ما هى العلاقة بين تفجير الكنائس فى سيرلانكا وموت الأبرياء من المسيحيين فى عيد الفصح وبين هزيمة تنظيمك وخسارتك آخر معاقل دولتك الإسلامية فى بلدة الباغوز شرق سوريا؟ وكيف يكون هذا انتقاماً إلهياً من أعداء الإسلام؟ وكيف يكون هؤلاء الضحايا تعويضاً عن خسارة الدولة الإسلامية التى ألمت بها أخيراً؟ ربما لا تعلم -أيها الخليفة- أن الباغوز قد عادت إلى الدولة الأم هانئة مطمئنة، وسيعاد بناؤها وإعمارها من جديد، وأن الناس فى سيرلانكا قد عادوا من جنازات الشهداء إلى العمل والحياة والبناء والحب وسط محبة وتعاطف العالم رغم قسوة الأحداث، ولا تعلم أن المصائب والمحن والكوارث التى تصيب الناس ليست انتقاماً إلهياً لأن الله ليس على هوى عباده وليس على حكمهم، وهكذا تعود الحياة فى كل مكان قد دنسته حوافر خيولك وسيوف رجالك إلى سابق عهدها فى سوريا والعراق وليبيا وسيناء، تحذف من تاريخها المقبل صفحات الخلافة البائسة، وتعالج شعوبها من أمراضها ووبائها.

يا بغدادى، ويا من على نهجه ومنطقه وطريقه، ليس هكذا تُبنى الأمم وتقام الحضارات وترتقى الشعوب، حتى لو انقطعت شعوبها للصلاة وقيام الليل والنوافل، وحجوا البيت الحرام كل عام، واعتمروا مرات ومرات، وتصدّقوا بما فى جيوبهم، وصاموا من رمضان إلى رمضان، وصرفوا الزكاة فى مواعيدها ومصادرها الصاع صاعين، ما تقدموا وما نجحوا وما تفوقوا دون العمل والعلم والإخلاص والحب، فليس ما نحن فيه من فشل وخيبة وتخلف وفوضى بسبب بعدنا عن منهج الله، بل لأننا قد تخلفنا وبعدنا عن ركب العلم والحضارة والحداثة، ولو تمسكنا بها وركبنا ولحقنا خلق الله لكان لنا نفس الشىء، ونفس النتيجة، ونفس النجاح والفلاح، ليس أكثر وليس أقل، وجرِّبوا لمرة واحدة بدلاً من تجارب الخلافة الفاشلة على طول تاريخنا كله. ما رأى مشايخ الغبرة أمثال العريفى والحوينى والقرضاوى وحسان، وما تبقى من مشايخ الوهابية والسلفية، فى دولة الخلافة التى فشلت وخاب الأمل فيها والرجاء؟ ولماذا فشلت وسقطت وهى تسير على منهج الخلافة الراشدة كما قلتم وصدعتم رؤوسنا؟ ورفعتم أيادينا ضارعة إلى السماء نسأل الله لها النصر والفلاح، وحملتم لها الرايات السود، وسحبتم النساء إلى مخادع المجاهدين لجهاد النكاح، وباركتم العمليات الاستشهادية للشباب بدلاً من الحفاظ على حياتهم وأعمارهم، وفتحتم جيوب المتبرعين بالمليارات إلى بيت مال المسلمين، وأقمتم سوق الجوارى لبيع الأسرى من خلق الله، ورأيتم بيع الأعضاء البشرية، ودية المخطوفين، وبيع الآثار والمخدرات مباحاً للضرورة، طالما الهدف هو إقامة الدولة الإسلامية، فالهدف الأسمى والأعظم هو المراد حتى لو كان من حرام، أتعرفون لماذا فشلت رغم كل هذا؟ لأنها بُنيت على حرام وعلى الباطل، والله طيب لا يقبل إلا طيباً. السادة الأفاضل أسرى فكرة الخلافة، عودوا إلى صوابكم، الإسلام دين وليس دولة، الدولة ليست قبيلة أو عشيرة يتولاها قرشى أو إمام معصوم أو تقى ورع، الدولة يحكمها الشعب بإرادته الحرة واختياره الحر، منهجها العلم والعمل والعدل والمواطنة والحق بين الناس أجمعين، ينظمها قانون يرعى مصالح الناس ويحافظ على حقوقهم ومعتقداتهم، وليست قائمة على كمال العبادات فقط، العبادات شأن خاص بين العبد وربه، أما تجربة أبوبكر البغدادى فربما تكون الأخيرة فى محاولة إقامة الدولة الدينية على مستوى التجارب الإنسانية، ولا عودة ولا رجعة لها، شكراً يا بغدادى، فقد عجّلت بالنتيجة.
نقلا عن الوطن