نيوتن
جلست إلى صديق طال غيابه عنى. كنت أعلم علاقته بالخمور منذ شبابه. سألته عنها فقال لى إن هذه العلاقة انقطعت تماما. وبدأ يحكى لى: نعم هي بدأت بالبيرة «ستيلا». كانت تقدم في زجاجات كبيرة مغرية. وبأسعار زهيدة في ذلك الوقت. بعدها تطورت العلاقة بينه وبين المشروبات بأنواعها.

ذات ليلة. منذ سنوات بعيدة. اتصل به أقرب أصدقائه. كان يزعجه دائما بأسلوبه المباشر والصادم في أحيان كثيرة. أخبره أنه في طريقه إليه ومعه صديق معروف بأنه طبيب نفسانى شهير.

رحب بهما مضيافا وسألهما: ماذا أقدم لكما؟. طلبا نوعا من النبيذ الأحمر. قدّم كأسا لكل منهما. وشاركهما بكأس ثالث.

فاجآه بالآتى: قالا إنهما أتيا خصيصا ليطلبا منه التوقف نهائيا عن كل أنواع المشروبات الكحولية. أضافا: أنت مندفع بطبعك. لست في حاجة إلى دفعة إضافية للتهور. أنت تعبر عن كل ما تفكر فيه دون اعتبار لأشياء كثيرة. لذلك فلتعف نفسك من هذه الدفعة الإضافية التي لا تحتاجها. التي تورطك في أحيان كثيرة.

فاجأه الكلام. خاصة عندما أخبره الطبيب بأنه قد دبر له حجزا في لندن. في برنامج يساعده على التخلص من الإدمان.

انزعج صديقى من هذا الاتهام. قال مدافعا: إننى لست مدمنا لأى شىء. إننى أمتنع عن كل هذا في شهور رمضان. خلال الشهر لا تنتابنى أعراض إدمان أو ما إلى ذلك. لست محتاجا إطلاقا إلى العلاج الذي تقترحه علىّ. ثم وضع كأسه على المنضدة. وقال لهما هذا كان كأسى الأخير. لن أعود بعده إلى ما يشرب. أخذتهما الريبة من مبادرته. المفاجأة الحقيقية أنه أوفى بوعده حتى يومنا هذا.

مع ذلك؛ حكى لى أنه كان يختلس النظر إلى هذه المشروبات «وهو مشتاق وعنده لوعة».

مع كل ذلك هناك قصة:
أخبرنى أنه كان في مطار لندن قبل أيام. أراد الذهاب إلى دورة المياه. كان الطريق يمر بقاعة. تعرض أفخر أنواع الخمور. نظر إلى ما حوله بشغف وتمنٍ. خلال عودته ومروره بنفس القاعة بعد دقائق معدودة. اختلفت نظرته إلى تلك القاعة بسرعة مذهلة. إذا به ينظر إلى الخمور المنسقة نظرة مختلفة تماما. بدأ يحادث نفسه قائلا: الله أعطانى نعمة اليقظة والانتباه. كيف أغيِّبها عنى من خلال زجاجة من النبيذ المعتق أو الخمور المقطرة. وجد أن امتناعه عن كل هذا لم يعد حرمانا. استبدله بامتنان. هذا الامتنان بدأ يجده في نعمة السمع. نعمة البصر. بأنه ما زال قادرا على الكلام. ممتن لأن الله حجز عنه أمراضا كثيرة. يرى غيره يعانى منها. ممتن بالأولاد والأحفاد. بالشفاء مما يصيبه. بالرزق الذي يعفيه من السؤال. ممتن لأن الله أعفاه من كل هذه المغيبات. وأبقى على ما تبقى لديه من يقظة وإدراك.
نقلا عن المصرى اليوم