Oliver كتبها
خرج الناس مهرولين من ديارهم بسبب الزلزلة.قليلون من وجدوا سلاماً في تلك اللحظات.
 
كانت أسرة أبيشوع واحدة منها.كان أبيشوع رجلاً بستانياً حقله يجاور حقل سمعان القيرواني و قد رأي سمعان جاره يئن تحت وطأة الصليب الرهيبة.عاد من قرب الجلجثة لا يدري هل يجرؤ علي الذهاب للإطمئنان علي سمعان أم أنه سيتسبب في عقاب للأسرة إذا ثبتت له أي صلة بالمصلوب من الفريسيين الذين يملأون الشوارع؟ أبيشوع إسم آرامي معناه يسوع أبي.حتي إسمه سيفضحه بعدما نبه الفريسيون ألا يذكر أحد مجدداً إسم هذا المصلوب.دخل بيته و إستقبلته زوجته أرصين باكية.أرصين إسم آرامي آخر معناه يكمل.كانت تقرع صدرها بمجرد رؤية أبيشوع إرتمت باكية قائلة حقاً كان هذا إبن الله.لقد سمعت بما حصل لسمعان و ذهبت للإطمئنان علي أم روفس زوجته لكنهم ليسوا بالبيت.سألها أبيشوع عن إيمرون الذي معناه الخروف الصغير و هو إبنهما الوحيد فقالت أرصين لا أدري ,كلنا خرجنا إلي الشوارع وقت الزلزلة و هو ما عاد بعد.لعله في الرامة لقد تركت الباب مفتوحاً منذ الزلزلة و هو لا ينغلق الآن منذ وقع الزلزال.
 
دقائق مرت و العيون تتكلم و الشفاه صامتة حتي ظهر فجأة رجل قادم علي ما يبدو من بعيد. مهيباً منيراً فيه نضارة الشباب و عيناه متألقة.كلما إقترب بدا عليه أنه يقصد بيت أبيشوع.وصل الرجل قائلاً سلام لكم.كان السلام أقصي أمنيات أورشليم في تلك اللحظة.ثياب الرجل ليست مألوفة.لا يرتدي قطعة الجلد المدون عليها الوصايا و لا يضع علي جبهته عصابة.ثوبه ليس فيه خطوط كالثياب الشائعة و لا أثر لأتربة الزيتون في وجهه.بشوشاً لا ينحني.جلس الرجل من غير دعوة و أبيشوع و أرصين صامتين كمن ذهب عقلهما.
 
أنا عبري النشأة و إسمي يوياريب أى الله حمي.كنا في السجن.نظر أبيشوع في الرجل متأملاً ليس علي وجهك يا يوياريب أية ملامح لقساوة اللصوص.فأجاب يوياريب كمن سمع التساؤل لا ليس سجن بلادكم لقد كنت في أسر إلهي كنا منتظرين في الحبس حتي جاء المخلص و خلصنا.تمتمت أرصين قائلة ألا تخش يا رجل أن تذكر إسم يسوع مجدداً.لقد نبه علينا رؤساء الكهنة أن لا ننطق بهذا الإسم.أجاب يوياريب بل أنا لأجل النطق بهذا الإسم جئت.ماذا رأيتم فيه.ماذا تعرفون عنه؟أجابت أرصين نسينا كل شيء إلا صورته و هو مصلوباً.كان مضروباً بكل اللعنات أو هكذا حسبناه.فقال يوياريب نحن رأيناه يسحق اللعنة.نزل إلينا كجبار مسرعاً في طريقه.سأل أبيشوع:هل رأيتموه عارياً كما رأيناه؟أجاب يوياريب بل رأيناه منتصراً مكسواً بكل الأعاجيب التي إنعكس قبس من نورها علينا .ماذا تقولون لقد كان تاجه أرفع من السموات و هو قادم إلينا في أسافل الأرض.قالت أرصين هل يموت الإله؟أجابها يوياريب في الأرض يموت و إلي الأرض يعود لترونه كما رأيناه فتعرفون أن للموت معني جديداً فإن قلت لكم يموت فهو يموت لكن ليس كالناس و إن قلت لكم أنه لا يموت فما كذبت لأني رأيته كما رأيناه و مجده مجد إبن وحيد لأبيه.
 
يبدو أن سمعان جارنا قد مات أيضاً تحت الصليب هل رأيته؟ أجاب يوياريب.من يحمل الصليب مع المسيح لا يموت يا أبيشوع بل يموت من أنكر الصليب وحده.سألت أرصين الرجل من اي سجن أنت؟ من كان هناك و من خرج من هناك؟أجابها كنا في الجحيم و كنا في حضن إبراهيم في مكان ليس فيه عذاب و كنا نعزي بعضنا بعضاً إلا إمرأة قديسة تدعي راحيل لم تكن تريد أن تتعزي أو هكذا كنا نظن و كانت تكرر قائلة لن يعزينا سوي الرب. هو هو معزيكم.لما يأتي بثياب حمر من بصرة سأتعزي.كان حول راحيل أطفال كثيرون.كان موسي النبي العظيم معنا و كثيراً ما خرج و دخل إلي هناك حاملاً لنا أخباراً مشجعة.كنا ننتظر خروجه و كنا ننتظر عودته و دوماً ما يأتي إلينا ببشارة في موضعنا المظلم و ظلال الموت.
 
لم يتبين لأبيشوع كم مضي من الوقت مع يوياريب لكن صوت أقدام الطفل إيمرون قطعت الصمت أو الكلام لا يدرون بعد.دخل إيمرون و صياحه يسبقه.أمي أبي المدينة ممتلئة بالقديسين.أمي أبي الجميع يبشرون بموت الرب و يخبروننا بقيامته.
 
وصل إلي المدخل فما أن رأي يوياريب جتي قال بطفوليته البريئة: هل وصلتم بيتنا أيضاً.لقد قابلت امرأة منيرة مثلك.إحتضنتني قائلة أنا أمك راحيل يا طفلي الحبيب لا تخف.بعدها رأيت أطفالا منيرين في كل الطرقات.حكوا لنا قصصاً عن حلاوة المصلوب.لماذا يقتلون يسوع الحلو يا أبي؟ صمت أبيشوع و صاح إيمرون قائلاً هل تعلم يا أبي أنه لم يعد طفل يخاف من الزلزلة في أورشليم.
 
لم يعد طفل يبكي علي الحجاب القديم.لم يعد طفل يهرب من الفريسيين.لقد صرنا أبطالاً يا أبي بطفولتنا.هل تخافي من الزلزلة يا أمي؟ نظرت أرصين إبنها إيمرون صامتة لا تعرف إجابة.إنطلق إيمرون في وصف ما رأي.
 
لقد أحببت راحيل كأمي.وجهها مشرق و لا تبكي كبنات أورشليم.ضحكتها يا أمي جعلتني كإسحق إبن الضحك.رائحة ثيابها ما زالت تعطرني خذ شم أكمام رداءي.مد الطفل يده لأمه قائلاً .
 
روفس و ألكسندر قابلوني و قالوا لي حكاية نسيتها يا أمي ذكروا فيها إسم يسوع و إسم أبوهما سمعان القيرواني.أخذت أرصين تشم ثياب طفلها و هي في الحقيقة لا تحتاج لذلك لأن رائحة زكية فاحت في البيت كله .نظر الطفل إلي الزائر العجيب سائلاًهل ستحتضنني يا رجل كما فعلت راحيل؟ فأخذه يوياريب في حضنه.
 
كان أبيشوع كلما يسمع لا يفهم أكثر.كلما سأل عن حقيقة كلما ضاعت منه الحقائق التي يعرفها.كان يوياريب يحكي عن عكس كل ما رآه في الجلجثة.أبيشوع يصف كيف سمروه و يوياريب يصف حررهم.أرصين تحكي كيف رفعوه و يوياريب يتأمل كيف نزل إليهم.
 
أبيشوع يتكلم عما قاله الرب يسوع علي الصليب و يوياريب يحكي عن لغة أخري كرز بها المسيح للأرواح التي في السجن.أرصين تفكر كيف كان مهاناً و يوياريب يصف كيف نزل كالجبل الجبار و تحت قدميه روح متمردة مظلمة كحصاة مزدرية.أبيشوع يتحدث عن إنشقاق حجاب الهيكل و يوياريب يتحدث عن شق متاريس الأسر .لم يتفق الحديث أبداً لكن كما بشر يوياريب بالمسيح الحي بشره أبيشوع و أرصين بموت يسوع.
 
كانت بشارتين مكملتين لبعضهما,جاء يوياريب كأنه سيبشر وحده فوجد من يبشره أيضاً لكي يدرك ما لم تره الأرواح هناك في المسيح يسوع و يخبر تلك الأسرة بما لم تعرفه الأرض و لا رأته من المسيح قاهر الجحيم.و بين أسئلة و إجابات كانت ضحكات إيمرون تنبعث لسبب لا تفسير له .كان إيمرون يتحدث كما إلي عالم آخر.فلما فرغ يوياريب من بشارته لم يلحظ أحد متي خرج و لا إلي أين مضي و العجيب أن إيمرون أيضاً خرج مثله.