خالد منتصر
اتّخذ وزير الأوقاف د. مختار جمعة من قبل قرارات جريئة ضد الهوى السلفى الوهابى وشكرناه على ذلك، لذلك انتظرنا منه استمراراً وتأكيداً لخبر منع ميكروفونات صلوات التراويح التى تعلق خارج المساجد، لكننا فوجئنا بالتراجع عن القرار، والاكتفاء بقرار مستحيل التطبيق، وهو منع تداخل الأصوات!، سأكتفى اليوم بجزء من مقال قديم كانت «الوطن» قد نشرته منذ فترة لأستاذ الفلسفة فؤاد زكريا يحلل فيه ظاهرة الميكروفون، فيقول:

التناقض الأكبر هو ذلك الذى تكشف عنه النتائج المترتبة على استخدامنا لهذا الاختراع الحديث فى أداء أهم شعائر العبادة فى عقيدتنا. ذلك لأن الغرب الذى ابتدع هذه الاختراعات، كان منذ بدء اتباعه لمبدأ المعرفة من أجل القدرة، يستهدف توسيع نطاق القدرة الإنسانية، وتوفير طاقة الإنسان ووقته، فى كل اختراع يتوصّل إليه. وهذه النتائج لها، بطبيعة الحال، تأثير تراكمى. فإذا أمكن مثلاً توفير الوقت والجهد الذى يبذله الباحث فى جمع المعلومات والمراجع والمواد العلمية، عن طريق الحاسب الآلى، فإن هذا الباحث سيجد مزيداً من الوقت والطاقة للجانب الابتكارى فى بحثه، مما يؤدى إلى ارتفاع مستوى هذا البحث، فينعكس ذلك إيجابياً على مستوى الكشوف النظرية أو التطبيقات العلمية التى يقوم بها هو وأمثاله، ويؤدى ذلك إلى توفير مزيد من الوقت والجهد على الآخرين، وهلم جرا. ومن هنا فإن الاستخدام السليم للعلم والتكنولوجيا يـؤدى إلى حركة تصاعدية لا تنقطع، فى المجتمعات التى تمر بتجربة الكشف والاختراع.

أما فى مجتمعاتنا، التى تتلقى ثمار هذه التجربة جاهزة ولا تعرف الخبرة والمعاناة المرتبطة بالكشف العلمى والاختراع التكنولوجى، فإن هذه الإنجازات يمكن، فى أحيان غير قليلة، أن تسفر عن نتائج عكسية، ولا جدال فى أن ميكروفون الجامع من أبرز الأمثلة على ما نقول، فهذا الميكروفون، الذى هو من وجهة النظر الدينية الخالصة بدعة لم يعرفها الأوائل ولا معظم الأواخر، يستخدم من أجل إقلاق راحة الإنسان وحرمانه من النوم، ومن الهدوء النفسى والعصبى، الذى هو شرط ضرورى لاستمرار قدرته الإنتاجية، ولو تأملنا تلك الأصوات المتداخلة والمتنافرة، التى تقضى على جلال فكرة الأذان ذاتها، والتى تنبعث من عشرات الميكروفونات وتحاصر الإنسان بضجيج يصعب تمييز كلماته، لو تأملنا تفنّن بعض المساجد فى رفع أصوات ميكروفوناتها وإطالة فترة أذان الفجر، وما يليها من مدائح وتسابيح، دون رحمة لمريض فى مستشفى قريب، لا شفاء له إلا مع النوم المريح، أو لعامل يود أن ينال قسطاً كافياً من الراحة حتى يستطيع أن يبدأ يومه الجديد بعمل مثمر يعود على أبناء مجتمعه وعقيدته بالخير، ويسهم فى تقدم أمته، لو تأملنا ذلك لأدركنا مدى تشويهنا لنتائج التكنولوجيا التى نقتبسها دون فهم لأغراضها الحقيقية، ولتبين لنا أننا يمكن أن نستخدم المخترعات الحديثة، لا من أجل القضاء على التخلف، بل من أجل تأكيده ومضاعفته. إن ميكروفون الجامع رمز مصغر للطريقة التى تتلاقى بها الثقافة الغربية العلمية والتكنولوجية مع ثقافتنا التراثية، ومن أسف أنه، فى الوقت ذاته، مظهر واضح من مظاهر إخفاقنا فى الانتفاع من نواتج العبقرية البشرية، من أجل دفع عجلة تقدمنا إلى الأمام. إنه فى كلمة واحدة، تلخيص بسيط، واضح، مكثف، لأزمتنا الحضارية.
نقلاعن الوطن